منافسة بين شركات السيارات للتربع على عرش الابتكار
وسط التطور التكنولوجي الهائل الذي تشهده البشرية، تحتدم المنافسة بين شركات السيارات العالمية الرائدة لدمج أحدث التقنيات في مركباتها لخطف الأضواء والتربع على عرش عالم الابتكار، فبات مصنعو السيارات الكبار يطرحون بصورة منتظمة موديلاتهم الجديدة التي تضم بصمتهم التكنولوجية الفريدة بغية جذب المستهلكين وزيادة المبيعات في السوق العالمية.
سيارة “أفيلا” الذكية
كشفت شركتا “سوني” و”هوندا” اليابانيتان مزيداً من المعلومات عن سيارتهما الكهربائية “أفيلا” المذهلة المزمع طرحها في الأسواق عام 2026 والتي تضم نظام تحديد مواقع وملاحة يشبه ألعاب الفيديو، إذ يمكن للسائق تنشيط خرائط الطريق ليبدو وكأنه يلعب أثناء رحلته. أما البيانات التي يتم التقاطها من أجهزة الاستشعار المتقدمة للسيارة الكهربائية، فتتحول إلى كائنات ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي وتسمح للسائقين بمشاهدة موقعهم الحالي من أي زاوية.
وتشمل التقنيات الأخرى في هذه السيارة شاشات معلومات وترفيه كبيرة للجميع، فضلاً عن تصميم داخلي عازل للضوضاء يشبه دور السينما العازلة للصوت، ونظام الصوت المكاني من “سوني” في المقاعد والمقصورة. كما أنها مجهزة بأجهزة استشعار وكاميرات ذات نطاق عريض تعطيها القدرة على استقبال السائق عند اقترابه عبر إضاءة المصابيح وفتح الأبواب تلقائياً. وبمجرد ركوبه السيارة، تقوم السيارة الكهربائية بإجراء عملية مصادقة للتأكد من أن السائق هو مالكها الحقيقي وتعد الوجهة وخريطة الطريق على شاشة بانورامية.
أثناء القيادة، تقوم أجهزة الاستشعار والكاميرات الخاصة بـ”أفيلا” بمراقبة كل زاوية ومراقبة ظروف حركة المرور، وبناءً على البيانات عالية الدقة التي يتم الحصول عليها، توفر المساعدة في القيادة.
تقنيات مبتكرة من “تويوتا”
وافتتحت شركة “تويوتا” اليابانية العام الماضي مصنعاً ضخماً يهدف إلى إطلاق بطاريات الحالة الصلبة عالية الأداء للمركبات الكهربائية بحلول عام 2026، بنطاقات قيادة أطول وأوقات شحن أسرع.
وفي موازاة ذلك، تواصل الشركة اليابانية تطويرها لتكنولوجيا خلايا الوقود الهيدروجيني، كما تهدف إلى تحقيق مبيعات خارجية تبلغ 100 ألف وحدة خلية وقود بحلول عام 2030 مع التركيز في الغالب على المركبات التجارية. وتعكس هذه الجهود التزام “تويوتا” تحقيق آثار سلبية صفرية على الناس والبيئة من خلال التركيز على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وتقيّدها بمبادئها التوجيهية.
ولدى الشركة اليابانية سيارة استثنائية تعمل بالهيدروجين من طراز “ميراي”، وهي ليست مجرد مشروع علمي، بل إنها سيارة فاخرة وذات تحكم لائق وتعمل تماماً مثل السيارة الكهربائية العادية.
نظارات الواقع المعزز من “بي أم دبليو”
من جانبها، أعلنت شركة “بي أم دبليو” الألمانية عن تقنيات مصممة لجعل الحياة أسهل وأكثر متعة للسائقين وركابهم، أهمها تقنية الواقع المعزز (AR) التي تهدف إلى إثراء تجربة القيادة لكل من السائق والراكب الأمامي وتتطلب ارتداء نظارات الواقع المعززXREAL Air 2.
وتتيح النظارات المتصلة بنظام المعلومات والترفيه في السيارة، رؤية تعليمات الملاحة وتنبيهات الأخطار ومعلومات عن النقاط المثيرة للاهتمام والمحتوى الترفيهي بحسب مكان جلوسك. ويمكنها أن تحذرك في شأن انخفاض شحن بطارية السيارة الكهربائية وإرشادك إلى أقرب محطة للشحن.
أنظمة ذكية من “مرسيدس بنز”
وعلى خط موازٍ، كشفت “مرسيدس بنز” أواخر العام الماضي عن نظامها للقيادة الذاتية Drive Pilot من المستوى 3 الأول من نوعه في العالم في طرازي EQS وS-Class.
وسيتولى هذا النظام مهمة القيادة الذاتية بسرعة تصل إلى 70 كيلومتراً في الساعة، مما يتيح للسائقين التركيز على مهمات أخرى مثل قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم أثناء تحرك السيارة.
وهناك شروط لتفعيل النظام كأن تكون ظروف الطريق معقولة مع علامات وخطوط قابلة للقراءة وأن يكون الطقس صافياً وظروف الإضاءة واضحة، لكن لا يمكن استخدامه في الليل أو تحت المطر، ويجب ضبط المصابيح الأمامية والمساحات على الوضع التلقائي حتى يعمل.
ويعمل النظام عبر كاميرا أمامية لالتقاط صور ثلاثية الأبعاد وأجهزة استشعار رادارية طويلة المدى في الأمام تقيس السرعة والمسافة، وأجهزة استشعار بالموجات فوق الصوتية تكتشف محيط السيارة، إلى جانب كاميرا مراقبة للسائق بالداخل ومستشعر رطوبة الطريق في السيارة.
وحققت الشركة الألمانية قفزة نوعية بمساعدها الصوتي الذكي MBUX Virtual Assistant القادر على إجراء حوار طبيعي والإجابة عن أسئلة العملاء بناءً على المعرفة العامة وطرح أسئلة ذكية لتوضيح النية واستخلاص النتائج.
ويمكن تخصيص هذا المساعد ليناسب تفضيلات السائق، بما في ذلك النغمة وأسلوب التحدث، وهو قادر على إنشاء ردود على الاستفسارات بصورة طبيعية ومعقولة، فيشعر السائق وكأنه يتحدث إلى مساعد بشري وليس جهاز كمبيوتر.
وفي محاولة أخرى لتعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة، دمجت “مرسيدس بنز” صورة نجمية متحركة على الشاشة تستخدم رسومات متطورة للتعبير عن الحال المزاجية للسائق. كما طورت نظام ملاحة محيطياً جديداً أطلقت عليه اسم Unity يقدم عرضاً لمحيط السيارة على شاشة مجموعة العدادات، بما في ذلك تكوين الطريق الذي يوضح المسار الذي توجد فيه السيارة والمركبات المجاورة والمسار المقترح من نظام الملاحة. ويهدف تطوير هذا النظام إلى خلق بعض الوعي الظرفي المعزز عند التنقل في مناطق غير مألوفة.
ماذا نتوقع في المستقبل؟
وبخصوص المستقبل، يبقى التوصل إلى ما يسمى أنظمة القيادة الذاتية من المستوى 5 المستقلة الشغل الشاغل لشركات السيارات العالمية وعمالقة التكنولوجيا، خصوصاً أن تطوير السيارات هذه يهدف إلى تقليل احتمالية وقوع الحوادث المرورية، فضلاً عن أن تزويدها بالذكاء الاصطناعي يعني الحفاظ على سلامة أجهزة السيارة لفترة أطول من خلال قيادتها بصورة استراتيجية وآمنة، وجعلها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وعدم إضرارها بالبيئة.
وفي هذا الإطار، تعمل شركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية على برنامج “القيادة الذاتية الكاملة” (FSD) الذي يستفيد من النمذجة الإحصائية والشبكات العصبية لاستخلاص قرارات القيادة من بيانات الكاميرا والرادار وأجهزة الاستشعار بالموجات فوق الصوتية. ومن خلال تقنيات مثل نمذجة حركة المرور التنبؤية، يظهر هذا البرنامج احتمال تمكين القيادة الذاتية الموثوقة والتعامل مع بيئات وسيناريوهات أكثر تعقيداً مع الحد من مراقبة السائق البشري خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
وتحاول شركة “بي أم دبليو” الألمانية عبر شراكتها مع شركة Innoviz، منافسة “مرسيدس بنز” في التوصل إلى نظام قيادة مستقل من المستوى 3، ومن أجل ذلك افتتحت العام الماضي مركز “تطوير التنقل المستقبلي” في جمهورية التشيك والذي تقول إن تركيزه سينصب على تطوير القيادة الذاتية.
فيما تخطو شركة “نيفيديا” الأميركية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الحوسبة، خطوات كبيرة في مجال السيارات ذاتية القيادة، وتعِد بإحداث تحول في صناعة السيارات من خلال تقنياتها وشراكاتها المتقدمة. وسهلت منصة DRIVE PX من “نيفيديا”، المعززة بمنصة DIGITS للتعلم العميق، التقدم السريع في خوارزميات إدراك المركبات وتحقيق مستويات عالية من الدقة في التعرف إلى إشارات المرور والمشاة. وحالياً يتم تبني هذه التقنية من قبل شركات صناعة السيارات والمؤسسات البحثية الرائدة، مما يعكس الدور المحوري الذي تقوم به الشركة الأميركية في تطور القيادة الذاتية.
ويؤكد تقديم “نيفيديا” للتدريب في بيئات افتراضية بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مثل محاكاة Omniverse Replicator، الأساليب المبتكرة المطلوبة لمواجهة تحديات القيادة الذاتية، ومن خلال إنشاء محاكاة واقعية لظروف القيادة تستطيع الشركة الأميركية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بفاعلية أكبر وإعدادها لتعقيدات التنقل في العالم الحقيقي من دون الأخطار المرتبطة بالاختبارات المادية.
ويعد هذا النهج أمراً بالغ الأهمية لتطوير الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه التعامل مع السيناريوهات غير المتوقعة مثل الطقس العاصف أو الأخطار المفاجئة على الطرق.
وتتوقع بعض المؤسسات البحثية أن نشهد طفرة هائلة في شعبية المركبات ذاتية القيادة في المستقبل القريب، في حين تقدر بأن يصل حجم سوق السيارات العاملة بتلك التكنولوجيا إلى ما بين 300 و400 مليار دولار بحلول عام 2035.