ماسك سينفق ثروة طائلة على “حزب أمريكا” ولكن هل سينجح؟

قرر أغنى رجل في العالم خوض حرب ضد الجمهوريين، ويبدو أنه يعتقد أن إنشاء حزب سياسي ثالث هو أفضل سبيل لتحقيق ذلك. كريس برينان – USA Today
لندع جانبًا للحظة الغرور الجامح وشخصيات “جعل أمريكا عظيمة مجددًا” التي تُشكّل جوهر الجدل المتجدد حول ما إذا كانت أمريكا بحاجة إلى حزب سياسي جديد لمنافسة الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
في الواقع هناك شيء واحد مؤكد وهو أن هناك رغبة ملحةٌ في ذلك بين الأمريكيين. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في الأول من أكتوبر، قبل 35 يومًا فقط من الانتخابات الرئاسية لعام 2024، في ظلّ توترٍ سياسي حاد ووعي عام متزايد، أن 58% من الأمريكيين البالغين يرون ضرورة لحزب ثالث. وكان أمام الأمريكيين آنذاك خيار بين دونالد ترامب أو كامالا هاريس، وأرادت الأغلبية خيارات أوسع.
وقد تذبذبت نسبة المشاركة في استطلاعات الرأي هذه على مر السنين، لكن غالوب وجدت دعمًا كبيرًا لهذه القضية في استطلاعات رأي تعود إلى عقدين من الزمن. ويبقى هذا مجرد افتراض نظري، فماذا عن التطبيق العملي؟
ماذا لو كان يقود حركة الأحزاب الثالثة، التي تُشكّل محور الاهتمام الآن، أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا سياسيًا في أمريكا؟ فهل يعتبر إيلون ماسك، الذي يحظى حاليًا بنظرة سلبية من 55% من الأمريكيين، الوجه الأمثل لـ”حزب أمريكا” الذي أعلنه في 5 يوليو؟
أنفق ماسك، أغنى رجل في العالم، حوالي 290 مليون دولار لمساعدة ترامب في الفوز بولاية رئاسية ثانية. والآن، يتبادلان الاتهامات عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد إقالة ماسك من إدارة ترامب، ثم غضب ماسك من الإنفاق المفرط في مشروع قانون الميزانية الجديد للرئيس.
يصف ماسك حزبه السياسي الجديد بأنه هجوم على “الحزب الواحد”، وهو اختصار شائع يشير إلى أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي متشابهان أكثر من اختلافهما، خاصة عندما يتعلق الأمر بإنفاق الضرائب.
لكن هذا الادّعاء غير صحيح؛ فقانون “مشروع قانون واحد كبير وجميل” الذي اقترحه ترامب صاغته إدارته وقادة الحزب الجمهوري في الكونغرس حصريًا. وقد استُبعد الديمقراطيون من العملية ولم يصوّتوا لصالح مشروع القانون، الذي تم إقرقره بأغلبية جمهورية ضئيلة. لكن ماسك ليس من نوع السياسيين الذين يسمحون للواقع بالتحكم في خطابه. لذا، فوفقًا لتصوره، جميعهم أشرار في واشنطن العاصمة، وسيكون هو الشريف الجديد الذي سينظّف المدينة.
في الحقيقة قد يستغل المستشارون السياسيون ثروة ماسك بأقلّ ما يمكن للحزب الأمريكي إنتاجه، دون أن يكون لهم تأثير يُذكر. أو، مع تعرّض أعمال ماسك لضربات اقتصادية جسيمة جراء معركته السياسية، قد يكتفي بالحديث عن أمورٍ كبيرة ثم ينسحب.
في منشور مطول على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الأحد 6 يوليو، قال ترامب إن ماسك “خارج عن المسار الصحيح”، مشيرًا إلى أن الأحزاب الثالثة “لم تنجح قط في الولايات المتحدة”.
فلماذا إذن احتاج ترامب إلى منشور من 336 كلمة؟ لقد أظهر لنا مخاوفه مضيفًا أن الأحزاب الثالثة فعالة في إحداث “اضطراب وفوضى عارمة” في السياسة الأمريكية.
وإليكم ما قد يبدو عليه الاضطراب والفوضى في نظر ترامب – يؤثر حزب ماسك الأمريكي على هامش الكونغرس الضئيل، مما يُرجّح كفة الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، مانحًا إياهم سلطة الرقابة أو حتى المساءلة (للمرة الثالثة) لمحاسبة ترامب.
أخبرني رايان كلانسي، كبير الاستراتيجيين في منظمة “لا للتصنيفات”، أن “رد الفعل الأولي من الجمهوريين يشير إلى اعتقادهم بأن (ماسك) يشكل تهديدًا أكبر لهم”. وهو يعلم ذلك جيدًا.
ولعلّكم تتذكرون أن منظمة “لا للتصنيفات” كانت مصدر قلق كبير للحزب الديمقراطي وحلفائه في انتخابات 2024، حيث حاولت المنظمة وفشلت في وضع مرشح وسطي ثنائي الحزب على بطاقة الاقتراع الرئاسية. فهل سيشكّل حزب ماسك الأمريكي تهديدًا للجمهوريين كما شكّلت منظمة “لا للتصنيفات” للديمقراطيين؟
قال كلانسي إنه من السابق لأوانه الجزم بذلك، وسيعتمد ذلك على نوعية المرشحين الذين سيختارهم ماسك. وأشار ماسك إلى أنه قد “يركز بشكل كبير على مقعدين أو ثلاثة فقط في مجلس الشيوخ، وعلى 8 إلى 10 دوائر انتخابية في مجلس النواب” في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، لأن مجلسي النواب والشيوخ يتمتعان بـ”هوامش تشريعية ضئيلة للغاية”، وقد “يكفي ذلك ليكون بمثابة صوت حاسم في القوانين المثيرة للجدل”.
أخبرني كلانسي أن منظمة “لا للتصنيفات” لم تتحدث مع ماسك أو أي شخص مقرّب منه بشأن الحزب الأمريكي. لكن الخبير الاستراتيجي يأمل أن يضفي الحزب السياسي الجديد بعض المنافسة على الانتخابات، مما قد يعيد بعض الجمهوريين والديمقراطيين إلى مركز الطيف السياسي.
وقال كلانسي: “أُشجّع الناس على منحه فرصة، ومنحه مساحة أوسع، والسماح له بالتنفس قليلاً. دعونا نرى أيّ نوع من المرشحين سيشكّلون”.
لكن راهنا إيبتينغ، المديرة التنفيذية لمنظمة “Move on”، وهي مجموعة سياسية تقدمية، أمضت جزءًا من عام 2024 تنتقد حركة “لا للتصنيفات” باعتبارها عاملًا مفسدًا محتملًا، وقالت في هذا السياق: إن حزبًا آخر، يموله مليارديرات مثل إيلون ماسك، ليس هو الحل لتحديات هذا البلد”.
وفي حين يرى كلانسي إمكانات، لا ترى إبتينغ سوى الغرور والمصلحة الذاتية كدافعٍ لماسك. وأشارت إلى أن الجمهوريين، بدءًا من ترامب فصاعدًا، ترشحوا العام الماضي على أساس جعل الحياة أكثر يسرًا للأمريكيين. وتعتقد أن الأمريكيين ما زالوا يبحثون عن حلول كهذه في انتخابات التجديد النصفي.
وبالمناسبة تعارض إيبتينغ قانون ترامب الكبير والجميل كما يعارضه ماسك. وفي نفس الوقت تُعارض حزب ماسك الأمريكي تمامًا كما كانت تعارض حملة “لا للتصنيفات”، وقالت: كانت حملة “لا للتصنيفات”
تكتيكًا يفتقر إلى استراتيجية معقولة للفوز، وأعتقد أن جهود إيلون ماسك هي تكتيك يفتقر إلى طريقة معقولة للفوز. وكلاهما كانا يعملان من أجل نفسيهما، لا من أجل شعب هذا البلد”.
يُقدّر كلانسي أن تكلفة حملة تنافسية في مجلس الشيوخ ستصل إلى مليارات الدولارات بسهولة، بينما قد تصل تكلفة مقعد في مجلس النواب إلى أرقام قليلة. ثم هناك البنية التحتية المعقدة والمكلفة للترشح في كل ولاية على حدة.
وبعبارة أخرى: قد يكون ماسك على وشك إنفاق مبالغ طائلة مرة أخرى. لكنني لست متأكدًا من قدرته على تكرار نجاحه في عام 2024. ومن الجدير بالذكر أن ماسك نفسه لم يعد يرى عام 2024 نجاحًا.