لدعم البحث والإنقاذ.. روبوت بحجم حشرة يحمل 22 ضعف وزنه.
يضرب المثل دوما بقوة الحشرات وقدرتها على التحمل، والتي تتناقض مع حجمها الصغير، وهي الخصائص التي سعت فرق بحثية إلى استنساخها في الروبوتات متناهية الصغر، والتي يمكن أن تكون مفيدة في دعم عمليات البحث والإنقاذ عند وقوع زلازل وفيضانات.
غير أن تلك المحاولات اصطدمت بأداء منخفض لتلك الروبوتات، لأن المحركات الدقيقة المستخدمة بها تكون مدفوعة بمصادر طاقة منخفضة، لا تجعلها قادرة على حمل مستشعرات استكشافية والعمل لفترات طويلة.
وبينما أظهرت كارثتا زلزال المغرب وفيضان ليبيا في شهر سبتمبر/أيلول الجاري، أهمية الحاجة إلى وجود مثل هذه الحلول للبحث عن الأحياء تحت الأنقاض، كان فريق بحثي من جامعة كورنيل الأميركية، يبشر في دراسة نشرت بدورية “ساينس”، بأنه بات قريبا من توفير هذا الحل التكنولوجي.
وجاء ذلك بعد أن نجح في حل مشكلة الطاقة، عبر ابتكار نظام للطاقة الكيميائية يمكن أن يساعد روبوتا في حجم الحشرة على حمل 22 ضعف وزنه، مع العمل لفترات طويلة في دعم جهود البحث والإنقاذ.
كيف يعمل الروبوت؟
ويشرح كاميرون أوبين، من كلية “سيبلي” للهندسة الميكانيكية وهندسة الفضاء الجوي بجامعة كورنيل، والباحث الأول بالدراسة، تفاصيل نظامهم الجديد، قائلا في تصريحات عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت “يبدو الروبوت الخاص بنا، عند النظر إليه من الأعلى، مثل الحرف (H)، وبذلك ينقسم الروبوت من أعلى إلى نصفين، كل نصف مجوف ومتصل بالساق الأمامية والخلفية (الروبوت لديه 4 أرجل)”.
وأضاف أوبين “نستخدم معدات من الخارج لضخ خليط من غازي الميثان والأكسجين إلى الأجزاء المجوفة، وتُستخدم أسلاك الأقطاب الكهربائية الموصولة بالروبوت لإنشاء شرارة صغيرة داخل هذه التجاويف”.
ويتابع “يؤدي ذلك إلى إشعال الغازات ويسبب انفجارا مصغرا، والنتيجة هي تمدد سريع للغازات الساخنة، مما يؤدي إلى تضخم غشاء صغير قابل للتمدد بين غرف الاحتراق المجوفة والساقين، وتنتفخ هذه الأغشية بشكل يشبه البالون، ثم تنضغط على الساقين، مما يتسبب في قفز الروبوت”.
ويلفت إلى أنه بالإمكان “ضبط كمية الغاز التي نضعها في الروبوت ومدى سرعة إشعال (احتراق) هذا الغاز، ونتيجة لذلك يمكننا التحكم في مدى سرعة تحركه ومدى ارتفاع قفزه، ويمكننا أيضا حرق نصفين فقط في المرة الواحدة، وهذا سيجعل الروبوت يدور، مما يسمح لنا بتوجيهه”.
الروبوت القادر على العمل لفترات طويلة بسبب نظام الطاقة المبتكر، يبلغ طوله 2.9 سنتيمتر فقط، ويمكنه الوصول إلى المناطق التي قد تشكل تحديا للبشر أثناء الكوارث الطبيعية، فعلى سبيل المثال، يمكنه أن ينزلق إلى داخل الصخور أو الحطام الناتج عن هيكل منهار.
ويقول أوبين إنه “نظرا لكثافة الطاقة العالية للوقود الذي نستخدمه، تكون للروبوت قدرة حمولة مذهلة (يحمل 22 ضعف وزنه)، ويمكنه أداء حركات قوية جدا (على سبيل المثال، القفز عموديا حوالي 60 سنتيمترا)، مما يسمح له بالتنقل عبر العوائق والتضاريس الصعبة”.
ويضيف أن من الممكن أن يكون الروبوت “مجهزا بكاميرات صغيرة أو مستشعرات حسية، كما يمكن إطلاق أسراب منه بهدف المراقبة البيئية، لا سيما في البيئات شديدة الخطورة (مثل الصحراء والقطب الشمالي وحتى الكواكب الأخرى)”.
فشل المحاولات السابقة
وكانت هناك محاولات سابقة لتشغيل روبوتات بالطاقة الكيميائية، لكنها لم تستمر في العمل لفترات طويلة، ويقول أوبين “على حد علمنا، هذا هو أول روبوت يقوم بالاستخدام المباشر والمتكرر للاحتراق على هذا النطاق الصغير”.
وقد استخدمت بعض الروبوتات الأخرى التي سبقت هذا المشروع الاحتراق لعملية تشغيل واحدة فقط، حيث تنفجر مرة واحدة، وتقفز في الهواء، وهذا كل شيء، بينما يعمل الروبوت الجديد بشكل مستمر ومتكرر، حتى بترددات عالية جدا.
ويقول “أثبتنا أن مشغلات الاحتراق الخاصة بنا يمكنها العمل بسرعة 100 هرتز، أو 100 انفجار مميز في الثانية. توجد روبوتات أخرى استخدمت الوقود السائل في الماضي، لكن عمليات تشغيلها منخفضة القوة والتردد، فهي لا تستفيد من إجمالي إمكانات الطاقة للوقود الكيميائي، أما تصميمنا فهو أقرب إلى محرك صغير، وهذا شيء جديد في عالم الروبوتات التي تشبه الحشرات”.
وعن التكلفة المتوقعة للروبوت، يستطرد “لم نقم بإجراء تحليل دقيق لتكلفته، ولكن إذا تم شراء المواد المستخدمة في تصنيعه بكميات كبيرة، فإنني أظن أن تكلفة بنائه قد تتراوح بين 2 إلى 5 دولارات أميركية، وقد يكون هذا تقديرا سخيا”. ويضيف “يتم طباعة الروبوت الخاصة بنا في الغالب بتقنية ثلاثية الأبعاد، مما يسمح بقابلية التوسع وخفض التكاليف”.
إشادة وملاحظة
ومن جانبه، يشيد رايان تروبي، عالم المواد في جامعة نورث وسترن الأميركية بهذا العمل، قائلا في تقرير نشره موقع “نيتشر”، “لقد نجح الفريق البحثي في استخدام الطاقة الكيميائية لفترات زمنية طويلة مثيرة للإعجاب في تشغيل الروبوتات ذات الحجم القريب من الحشرات”.
ولكن تروبي يشدد على أن “هذا الروبوت سيحتاج إلى مزيد من التطوير لاستخدامه في مجال عمليات البحث والإنقاذ، حيث يجب ابتكار طرق لحرق الوقود على متنه، بحيث يكون غير مقيد تماما، وهذا ليس بالأمر اليسير، وهي عقبة كبيرة يجب معالجتها”.
ما يعنيه تروبي، هو أن الروبوت يتم توصيله حاليا بالوقود الخارجي ومصادر الكهرباء عبر الأنابيب والأسلاك، وهذا الشكل يعوق توظيفه في عمليات البحث والإنقاذ، غير أن الجزيرة نت عندما عادت لأوبين بهذه الملاحظة، شدد على أن ما يطالب به تروبي هو ما يعملون عليه حاليا.
ويقول أوبين “خطوتنا التالية هي جعل الروبوت غير مقيد تماما، ليكون قابلا للتطبيق تجاريا، وسيتطلب ذلك وجود إلكترونيات عالية الجهد، وخزان وقود على متنه، وبفضل القدرة الاستيعابية الكبيرة له (22 ضعف وزن الجسم)، نعتقد أننا سنكون قادرين على إنجاز هذا العمل”.