خاصأبرزرأي

لا تطمينات أميركية جازمة بعدم تجدد الحرب؟

حسين زلغوط

خاص_ موقع “رأي سياسي”:

في الوقت الذي شهد فيه لبنان في الأيام القليلة الماضية حركة موفدين دوليين إن على المستوى المصري او الفرنسي، بالتزامن مع تراجع وتيرة التصعيد الاسرائيلي عن الاسابيع الماضية، طرح سؤال عما اذا كان لبنان قد تسلّم تطمينات أميركية حقيقية بعدم تجدد الحرب مع إسرائيل؟ ولم يجب اي من المسؤولين بـ”نعم” أو “لا”، على هذا السؤال كون إن الموقف الأميركي يرتكز على متطلبات إلزامية ترتبط بملف “سلاح حزب الله” واستقرار الحدود.

وتتجه الرؤية الأميركية في الوقت الراهن وفق مصادر عليمة إلى منع انهيار الهدنة القائمة بين لبنان وإسرائيل، وليس إلى تقديم ضمانات مطلقة بعدم اندلاع حرب. ففي الدبلوماسية الرسمية غير المباشرة التي يجري تبادلها عبر المبعوثين والوسطاء، يشدد الجانب الأميركي على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار وتشجيع مفاوضات أوسع لاحتواء الملفات المفصلية، المتعلقة بإعلان وقف الأعمال العدائية، إلى تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة بفعالية.

لكن هذه التطمينات، وإن ظهرت في تصريحات ومواقف غير رسمية أحيانًا، لا ترتقي إلى مستوى الضمانات الصارمة التي قد تطمئن اللبنانيين بشكلٍ كامل. الجهد الأميركي يظل ضمن إطار إرادة لتقليل المخاطر، لكن من دون أن يضمن بشكل قاطع عدم تجدد الحرب في المستقبل. ذلك أن السياسة الأميركية في المنطقة تتأثر بعدة عوامل: مصالح استراتيجية مع إسرائيل، حاجة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وحسابات داخلية مرتبطة بالسياسات الأميركية في الشرق الأوسط.

في لبنان، التصريحات الرسمية الأميركية تراوحت بين تأكيد دعم تثبيت وقف إطلاق النار، وتشجيع مبادرات دبلوماسية، من دون أن تُقدّم صكّ ضمانات بعدم اندلاع حرب جديدة. والحكومة اللبنانية، في موقعها الرسمي، تُجاهر برغبتها في الحفاظ على الاستقرار وعدم العودة إلى أجواء الاقتتال، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة وتجاربها المريرة، وهي تشدّد على ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من النقاط المحتلة ووقف الانتهاكات.

في المقابل، لا يزال الملف المركزي المعقد هو “سلاح حزب الله”. الولايات المتحدة ترى في هذا السلاح، إلى جانب إسرائيل وبعض الأطراف الدولية، عاملًا مهددًا للاستقرار إن لم يتم وضع آلية فعّالة لضبطه أو حصره ضمن إطار الدولة. هذا الموقف الأميركي، من منظور لبنان الرسمي والشعبي، يُعتبر أحيانًا مطلبا قد يفتح باب الاقتتال الداخلي أو يضع لبنان تحت ضغط خارجي أكبر قبل أن يوفر له حماية حقيقية من الحرب.

وعليه، يمكن القول إن الرسائل الأميركية تجاه لبنان تُركّز على الرغبة في تجنّب الحرب، لكنها ليست ضمانات قاطعة بعدم تجددها. هذه الرسائل تعبّر أكثر عن توجهات سياسية وثيقة الصلة بموازين القوى في المنطقة، وتُقدَّم في سياق ضغط دبلوماسي ومحاولات لتثبيت وقف إطلاق النار، وليس في سياق تقديم تعهدات أمنية ملزمة.

اما على المستوى الداخلي اللبناني، ثمة تحفّظات على جدوى هذه التطمينات، خصوصًا من فاعليات وقوى سياسية ترى أن الضمانات الأميركية تبقى مرتبطة بالمصالح الأميركية مع إسرائيل، وأن واشنطن لا يمكنها أن تلزم الدولة الإسرائيلية بعدم اتخاذ أي إجراء عسكري في المستقبل. هذا التوجّس يستمد قوة من تجارب سابقة حيث تلقت بيروت رسائل مشابهة، لكن التصعيد ظل ممكنًا في مناسبات لاحقة، ووصلت الأمور الى مرحلة شن حرب قاسية.

ما يمكن استنتاجه هو أن الرسائل الأميركية نحو لبنان تميل أكثر إلى التطمينات المشروطة والتأكيد على تجنب الحرب، وليس إلى تقديم ضمانات لا رجعة فيها بعدم تجدد الصراع. هذا الوضع يعكس تعقيد العلاقات الإقليمية، وتداخل المصالح الأميركية – الإسرائيلية – اللبنانية، ويُبقي لبنان في وضع يحتاج فيه إلى دفعات دبلوماسية متعددة، وإلى دعم دولي موسع، لضمان استقرارٍ مستدام على حدوده الجنوبية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى