رأي

قمة السلام الأوكرانية

كتب يةنس السيد, في “الخليج” :

أثارت القمة الدولية حول السلام في أوكرانيا، والتي عقدت في سويسرا، أخيراً، بغياب روسيا وأطراف دولية أخرى فاعلة، والتي انتهت بالدعوة، من بين أمور أخرى، إلى «إشراك جميع أطراف النزاع» لتحقيق السلام، أسئلة كثيرة حول جدوى هذه القمة، وإمكانية تحقيق السلام بغياب أحد الأطراف الأساسيين في الصراع.

من حيث المبدأ، يتطلع المجتمع الدولي بأسره، إلى تحقيق السلام في أوكرانيا، ولكن المشكلة تكمن في طريقة تحقيق هذا السلام، إذ لا يعقل أن تدعى إلى هذه القمة نحو مئة دولة، وهيئة دولية، ولا تدعى إليها روسيا الطرف المعني أساساً بالأزمة الأوكرانية، والذي استدعى غيابه عدم مشاركة أقطاب دولية كبرى كالصين، وحضور بعض حلفاء روسيا بمستوى تمثيلي منخفض مثل البرازيل، وجنوب إفريقيا، والهند.

ومن ناحية أخرى، يطرح عقد هذه القمة مباشرة بعد انتهاء قمة مجموعة السبع، التي خصصت 50 مليار دولار لدعم أوكرانيا، علاوة على الدعم العسكري الغربي، واستعدادات حلف «الناتو» لمواجهة محتملة مع روسيا، أسئلة حول جدية البحث عن السلام في أوكرانيا. فالسلام والاستعدادات للحرب لا يلتقيان، كما أن جدية البحث عن السلام تقتضي الموضوعية، والأخذ في الاعتبار مصالح كل الأطراف، وهو ما لم يلاحظ في البيان الختامي الذي صدر عن القمة، والذي يروّج لمقترحات تستهدف حشد أكبر عدد من الدول وراء فكرة إنهاء الحرب في أوكرانيا، على قاعدة انتصار طرف على حساب طرف آخر. وهي فكرة تفترض عقد قمة أخرى تشارك فيها روسيا لوقف الحرب، وتبادل الأسرى، وقضايا أخرى، من بينها سبل تأمين الإمدادات الغذائية العالمية عبر البحر الأسود، وبحر آزوف، وهي كلّها قضايا تأتي تحت سقف ما يعرف بخطة زيلينسكي القائمة على انسحاب القوات الروسية من كل الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك استعادة السيطرة على محطة زابوريجيا النووية الخاضعة للسيطرة الروسية، في جنوب البلاد، فضلاً عن المطالبة باحترام استقلال وسيادة الدول وفق القانون الدولي.

لكن أحداً لم يتحدث، لا في قمة سويسرا ولا قبلها في قمة السبع، عن المصالح الحيوية لروسيا، أو البحث عن صياغة جديدة للأمن الأوروبي، على أسس عادلة تراعي مصالح جميع الأطراف. وربما تكون هذه الخلفية بالذات، ما دفعت روسيا إلى طرح مبادرة أكثر تشدداً تقوم على الاعتراف بالحقائق الجديدة والواقع الميداني على الأرض، إضافة إلى عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو».

بهذا المعنى، قد تكون الرغبة متوفرة لدى الطرفين من أجل التفاوض وإنهاء الحرب، لكن الطريق إلى السلام يبدأ بتقديم تنازلات من كلا الطرفين، لا من خلال الاستعداد لمواصلة الحرب، ولا من خلال استقواء كييف بالعالم الغربي، لفرض تسوية على دولة كبرى مثل روسيا، تمتلك من القدرات ما يمكنها من مواجهة التحالف الغربي، وإن كان ذلك يضع العالم على شفير الهاوية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى