رأي

قانون لجوء الأجانب: هدية مصر للاتحاد الأوروبي

كتب معتز الفجيري في صحيفة العربي الجديد.

يأتي الإسراع في طرح مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب ومناقشته في البرلمان المصري، والذي حظي بموافقة برلمانية مبدئية الأسبوع الجاري، تنفيذاً لتعهدات الجانب المصري للاتحاد الأوروبي في سياق ما تعرف بـ”الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين الطرفين. وتسعى الحكومة المصرية أيضاً إلى تقديم القانون للمجتمع الدولي باعتباره إصلاحاً حقوقياً قبيل إجراء الاستعراض الدوري الشامل لسجل مصر في حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في يناير/ كانون الثاني المقبل. وكانت قضية تنظيم موجات الهجرة غير النظامية وطالبي اللجوء إلى أوروبا عبر المتوسّط قد احتلت مكاناَ مركزياً في المباحثات التي أجرتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين مع الحكومة المصرية خلال زيارتها لمصر في 17 مارس/ آذار الماضي، مصحوبة برؤساء وزراء بلجيكا والنمسا واليونان وإيطاليا وقبرص. أعلن الاتحاد الأوروبي في الزيارة ترفيع العلاقات مع مصر إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتعهّد بإمداد مصر بنحو سبعة مليارات ونصف مليار يورو منحاً وقروضاً واستثمارات للمساعدة في تخفيف وطأة الأزمة العميقة التي يعاني منها الاقتصاد المصري. وهدف جزء من المساعدات إلى رفع قدرات الجانب المصري في التصدّي للهجرة غير النـظامية بالعبور إلى أوروبا.

على صعيد آخر، أعلنت إيطاليا ثم أيرلندا تصنيف مصر دولة آمنة، ما يعني أن طلبات اللجوء التي تقدّم من وافدين من مصر ستجري معالجتها بشكل أكثر صعوبة، وستكون مهدّدة بالرفض، وقد يواجه أصحابها خطر الترحيل إلى مصر. وتعد قرارات تصنيف الدول آمنةً ذات طابع سياسي أكثر من أنها نابعة من تقييم قانوني موضوعي للدولة ذات الصلة، فأي مراقب أمين للوضع الحقوقي في مصر يعرف جيداً أن السياق الراهن في البلاد ما زال مصدراً للباحثين عن الأمن والفرار من الاضطهاد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. تتّخذ هذه القرارات في الدول الأوروبية الوزارات المعنية بالهجرة والأمن، لكنها عادة لا تحظى بتأييد وزارات الخارجية التي تكون على اتصال مستمرّ مع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر.

وقد رأت الحكومة المصرية، في السياق الإقليمي الحالي، في إطار تميز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، الفرصة سانحة لطرح مشروع قانون اللجوء، لكي تحظى بدعم أوروبي، وتثبت للمفوضية الأوروبية حرصها على مساعدة أوروبا في التخفيف من ضغط انتقال الأفراد إليها، خاصة القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء. لكن تبنّي مثل هذا القانون في مصر لن يمثل سوى تواطؤ أوروبي ومصري ضد حقوق طالبي اللجوء. تعاني مسوّدة القانون المطروحة أمام البرلمان من عيوب جسيمة تخلّ بفكرة حماية طالبي اللجوء واللاجئين. ستكون عملية طلب الحماية طبقاً لهذا القانون صعبه للغاية، وتنظّمها هيئة لا تتسم بالاستقلالية في عملها عن السلطة التنفيذية، وإن نجح بعض الأجانب في الحصول على صفة لاجئ سيكون محظوراً عليه، طبقاً لهذا القانون، ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، ويمكن إسقاط صفة لجوئه طبقاً لمعايير غير واضحة إذا أرادت الدولة لاحقاً.

تبنّي مصر قانون تنظيم لجوء الأجانب المطروح لن يمثل سوى تواطؤ أوروبي ومصري ضد حقوق طالبي اللجوء

وقد أعلنت 22 منظمة حقوقية مصرية رفضها القاطع مشروع القانون، وحذّرت من التداعيات الإنسانية الكارثية لتبنّيه. وكانت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب قد وثقت ودانت سجل التعامل الأمني مع طالبي اللجوء في مصر في قرارها الهام في قضية جورج إيانوري كاجيكابي ضد مصر، والصادر في إبريل/ نيسان 2021. تتعلّق القضية بتفريق عنيف للاجئين وطالبي اللجوء السودانيين الذين كانوا يحتجون في القاهرة في ديسمبر/ كانون الأول 2005. استخدمت قوات الأمن المصرية القوة المفرطة وغير المتناسبة ضد المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط ضحايا، بينهم أطفال، ووقوع إصابات عديدة واعتقال الناجين بشكل تعسّفي. طالبت اللجنة الأفريقية السلطات المصرية في قرارها بإعادة فتح التحقيقات في الانتهاكات التي حدثت في أثناء تفريق الاحتجاجات، وتقديم تعويض مالي للضحايا، وتعديل القوانيين المتعلقة بالشرطة وتنظيم التجمّعات العامة. وفي المقابل، لم تعترف الحكومة المصرية بقرار اللجنة.

سيقدّم قانون تنظم لجوء الأجانب، فور تمريره، مبرّراً للدول الأوروبية لرفض سماع طلبات اللجوء على أراضيها من لأجانب القادمين من مصر، على اعتبار أن مصر دولة لديها نظام للجوء، وتصنّفها حكوماتٌ أوروبية دولة آمنة. وستضمن الحكومة المصرية تأمين مزيد من المساعدات المالية تحت مبرّر التعامل مع طلبات اللجوء، وبناء القدرات الأمنية والحدودية لتنظيم حركة الأفراد. لكن مثل هذا القانون وغيره في منطقة جنوب المتوسّط لن يحلّ استمرار أزمات الهجرة واللجوء، طالما بقيت البيئة الأمنية والاجتماعية والسياسية الطاردة للأفراد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى