شركات الكهرباء تباغت المصريين بزيادات حادة في الفواتير
بدأت شركات توزيع الكهرباء في مصر تحصيل زيادات حادة جديدة على الأسعار للمستهلكين في المنازل والمشروعات الصناعية والزراعية والخدمات التجارية، في تراجع حكومي عن التعهد بعدم رفع أسعار الكهرباء، إلا في سبتمبر/أيلول المقبل، بعد استقرار إمدادات الكهرباء، وعدم قطع التيار عن المواطنين، الذي أثار سخطاً واسعاً بحلول فصل الصيف لمدة ساعتين يومياً.
باغتت الشركات نحو 42 مليون مشترك، منهم 35 مليونا يمتلكون عدادات بالمنازل، بإصدار الفواتير وفقا للأسعار الجديدة، بنسبة ارتفاع تتراوح بين 14.5% إلى 40%، عن فترة الاستهلاك التي بدأت من 15 يوليو/تموز الماضي إلى 15 أغسطس/آب الجاري. وانفردت “العربي الجديد” قبل أيام بأن الحكومة ستتجه إلى رفع أسعار الكهرباء مع الفواتير المحصلة لهذا الشهر.
هذه الزيادة في الأسعار هي الثانية خلال العام الجاري، لتشكل صدمة للمستهلكين، وبخاصة المشروعات الصناعية والخدمية، التي تعاني من ارتفاع التكاليف وصدمات التضخم المتلاحقة، بينما تحقق طفرة في عوائد شركات التوزيع، التي تبيع الكهرباء بتكلفة اقتصادية، غير مدعومة من الموازنة العامة للدولة، حيث تسعى الحكومة إلى تحصيل قيمة التوسعات الهائلة في محطات توليد الطاقة وشبكات التوزيع التي اقترضت من أجلها نحو 590 مليار جنيه (حوالي 12 مليار دولار)، خلال الأعوام العشرة الأخيرة. وتهدف الحكومة لإنهاء دعم الموازنة العامة للمشروعات الكهربائية تماماً بحلول عام 2030.
وارتفعت قيمة الفاتورة للاستهلاك المنزلي الأقل من 50 كيلو واط/ ساعة من 58 قرشاً إلى 68 قرشاً (الجنيه يساوي 100 قرش)، بزيادة بلغت نسبتها 17.24%، وصعدت قيمة الشريحة الثانية لأقل من 100 كيلو واط من 68 قرشاً إلى 78 قرشاً بزيادة قدرها 15.38%، والشريحة الثالثة لأقل من 200 كيلو واط من 83 قرشاً إلى 95 قرشاً بزيادة 14.45%، والشريحة الرابعة التي تستهلك ما بين 201 كيلو واط إلى 350 كيلو واط من 125 قرشاً إلى 155 قرشاً بزيادة 24%، والشريحة الخامسة لاستهلاك من 351 إلى 650 كيلو واط من 1.4 جنيه إلى 1.95 جنيه، بزيادة 39.28%، والشريحة السادسة لاستهلاك ما بين 651 إلى 1000 كيلو واط من 1.5 جنيه إلى 2.1 جنيه بزيادة 40%، فيما صعدت الشريحة السابعة لاستهلاك أكثر من 1000 كيلو واط شهرياً من 1.65 جنيه إلى 2.35 جنيه بنسبة زيادة 36%.
وفرضت شركات الكهرباء تسعيرة موحدة للمحلات التجارية والإنارة العامة وعدادات الاستهلاك التجاري التي تستخدم في قطاعات البناء وتشغيل المشروعات تحت التنفيذ، بزيادة من 1.65 جنيه إلى 2.35 جنيه، بنسبة 36%، وللمصانع المستهلكة للتيار على الجهد العالي، التي تشمل صناعات الحديد والإسمنت والألمونيوم والكيماويات والأسمدة، من 1.32 جنيه إلى 1.65 جنيه، وعلى الجهد المتوسط التي تشمل صناعات الغزل والنسيج والخزف والزجاج والصناعات الهندسية، ومحطات الري والصرف ورفع المياه، من 1.38 جنيه وشبكات النقل إلى 1.65 جنيه، وعلى الجهد المنخفض للمزارع والآبار من 1.50 جنيه إلى 1.85 قرش.
وتتراوح نسبة الزيادة ما بين 21% إلى 32% للقطاعات الصناعية والإنتاجية، بينما زادت قيمة الاستهلاك للقطاع السياحي من 1.65 جنيه إلى 2.35 جنيه للكيلو واط، بنسبة زيادة 35.15%، مع رفض تخفيض سعر الكهرباء لمحطات شحن السيارات الكهربائية، حيث استقرت عند سعر 2.30 جنيه، وفقا لبيانات المحاسبة، اطلعت عليها “العربي الجديد” التي وزعتها الشركة القابضة لكهرباء مصر على المدراء التجاريين، منذ بداية الشهر الجاري.
كانت وزارة الكهرباء قد رفعت أسعار بيع التيار في يناير/كانون الثاني الماضي، بنسبة تراوحت بين 16% و26%، مستهدفة الوصول بأسعار بيع التيار لجميع المستهلكين إلى السعر الاقتصادي المعلن من الحكومة، عند 2.35 جنيه للكيلو واط، وفقا لحسابات شركات الإنتاج، بخلاف ما تفرضه الدولة من رسوم النظافة والتمغة وتكلفة شهرية لصيانة العدادات والمحولات التي يتحمل المواطنون دفع قيمتها عند بداية التعاقد، وإتاوة معامل القدرة التي تُحصل من المستهلكين على الجهود المنخفضة 11 ألف واط، والمتوسطة 33 و66 ألف واط، والعالية 220 ألف واط، المستخدمة في المشروعات الصناعية الضخمة.
وأقرت وزارة الكهرباء أسعار شراء جديدة تمثل ضعف قيمة الشراء، من منتجي الكهرباء بالقطاع الخاص، للطاقة الشمسية والرياح، التي يملكها المستثمرون الأجانب والمحليون ممن اشتروا محطات التوليد من الحكومة الشهر الماضي، والمنشأة من قبل، عند سعر 2.3 جنيه للكيلو واط، بدلاً من متوسط 1.25 جنيه للكيلو واط، مع تحصيل 5 قروش لكل كيلو واط، تسدد لصالح الشركة المصرية لنقل الكهرباء، قيمة تكلفة نقل الطاقة عبر الشبكة الكهربائية الموحدة، بما يسمح لأصحاب المحطات الخاصة، تبادل نقل التيار مع المستهلكين داخل البلاد أو تصديرها للخارج.
جاءت الزيادة في أسعار الكهرباء، في إطار التزام الحكومة مع صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن المحروقات (المنتجات البترولية) المخصصة للجمهور وشركات الكهرباء، قبيل اجتماع لمجلس محافظي والمديرين التنفيذيين للصندوق، في 29 يوليو/تموز الماضي، استهدف صرف 820 مليون دولار من إجمالي قرض قيمته 8 مليارات دولار، ودعم مطالبة الحكومة بقرض تكميلي آخر من صندوق الصلابة والاستدامة التابع للمؤسسة المالية الدولية يبلغ 1.2 مليار دولار.
وعدت الحكومة صندوق النقد بخفض المبالغ المخصصة لدعم الوقود من مستوى 3.5 مليارات دولار إلى 3.2 مليارات دولار، خلال العام المالي الجاري (بدا في الأول من يوليو/تموز). ويشترط صندوق النقد وقف دعم المحروقات خلال العام المالي الجاري بما يؤشر إلى تصاعد أسعار المحروقات والكهرباء، عدة مرات، على فترة زمنية لا تتعدى عامين.
بررت مصادر حكومية توجه الشركات إلى رفع الأسعار لزيادة تكلفة التشغيل والوقود، بشركات التوزيع، ومواجهتها أزمة مالية خانقة، دفعتها إلى اقتراض 51 مليار جنيه (1.03 مليار دولار) من البنوك العامة خلال أغسطس/آب الجاري، بضمان وزارة المالية، لسداد مستحقات شركات توريد الغاز والوقود التابعة لوزارة البترول، مع زيادة متأخرات تحصيل قيمة الكهرباء من القطاعات الحكومية وكبار المشتركين، وارتفاع معدلات سرقة التيار التي تهدر 30 مليار جنيه، تمثل نحو 10% من قيمة إنتاج التيار بشبكات التوزيع.
في الأثناء تحاول الحكومة تدبير مليار دولار لشراء شحنات غاز جديدة، خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول المقبلين، بعد أن أدى وقف قطع التيار الكهربائي عن المواطنين إلى نفاد 50% من كميات الوقود التي تعاقدت وزارة البترول على شرائها، بنحو 20 شحنة غاز مسال و300 ألف طن من المازوت، بقيمة 1.18 مليار دولار، استهدفت مواجهة زيادة استهلاك الكهرباء، خلال الفترة من يوليو/تموز إلى نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل.
وفي تصريحات صحافية أخيراً أعلن محمود عصمت وزير الكهرباء، زيادة الاستهلاك اليومي للكهرباء إلى 38 جيغا واط، من متوسط 36 جيغا واط بسبب زيادة الحرارة خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب، عن نفس الفترة من العام الماضي 2023، الذي شهد انقطاعات مستمرة للكهرباء بأنحاء البلاد، اعتبرها هاني سري الدين رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشيوخ، من أقسى الأزمات التي شهدتها البلاد منذ عام 2013، أدت إلى خسائر فادحة على قطاع الصناعة والإنتاج التجاري والخدمي، وتقليل ساعات العمل.
وتواجه وزارة البترول تراجعاً حاداً في إنتاج الغاز، أدى على ارتفاع العجز بنحو 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً، مع زيادة مستمرة في الواردات بلغت نسبة 24.2%، خلال الربع الأول من العام الجاري، وفقا لجهاز الإحصاء الحكومي.
وأسفرت مفاوضات أجراها كبار المسؤولين في الدولة، على مدار الأسبوعين الماضيين، مع كبار ممثلي شركات “إيني” الإيطالية و”أباتشي” الأميركية المهيمنين على غالبية الإنتاج في الآبار المصرية، عن التزام الحكومة بسداد نحو 3.2 مليارات دولار تمثل باقي قيمة مستحقاتهما لدى وزارة البترول، خلال العامين الأخيرين، عبر أقساط تبدأ في أكتوبر/تشرين الأول المقبل بقيمة 1.2 مليار دولار، وتنتهي عام 2025.
وتأمل الحكومة أن يؤدي رفع أسعار المحروقات والكهرباء إلى دفع المواطنين والشركات إلى ترشيد النفقات، وتوجيه جزء من الغاز المسال المنتج محلياً إلى الخارج، خلال الشتاء المقبل، بينما أكدت بيانات لشركة “إيني”، أصدرتها الأسبوع الماضي، أن معدل إنتاج النفط سينخفض مرة أخرى، مع ارتفاع جزئي للغاز، ليبلغ نحو 5 مليارات قدم مكعبة يومياً، بما يدفع مصر إلى البحث عن بدائل للغاز عبر الشراء من قبرص أو التوجه نحو زيادة الطلب من شبكات الغاز من الاحتلال الإسرائيلي.
ويقدر خبراء طاقة أن تزيد تدفقات الغاز الإسرائيلي من معدل 600 مليون قدم إلى 800 مليون قدم، بمجرد اكتمال خط “أشدود ـ عسقلان”، بطول 46 كيلومترا، في مايو/أيار المقبل، بنحو 200 مليون دولار يومياً. ويكشف صلاح حافظ نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، عن مواجهة مشروعات إنتاج الغاز من الآبار المحلية، نقصاً في التمويل تعوق رفع إنتاجية الغاز بحقل ظهر في البحر المتوسط شمال مصر، والمشروعات الجديدة، مع حاجة الشريك الأجنبي مستحقات استرداد تكاليف الاستكشاف والإنتاج والتشغيل بمبلغ يتراوح بين 800 مليون دولار إلى مليار دولار شهرياً، منوها إلى تضخم عدد العاملين في شركات البترول، وثبات إنتاج آبار النفط، عند حدود 600 ألف برميل من السوائل والمكثفات يومياً، بما يدفع البلاد إلى استيراد غاز طبيعي ومسال بمقدار 500 مليون دولار شهرياً في الشتاء ترتفع إلى 700 مليون صيفاً.
يقدر خبير اقتصاديات النفط، في دراسة نشرها بصحف محلية إلى تكلفة إنتاج النفط والغاز تصل إلى 25 مليار دولار، بينما يبلغ العائد من المبيعات نحو 3 مليارات دولار، فيما يوجه نحو 22 مليار دولار لدعم إنتاج المحروقات، عدا تراكمات الدين على شركات البترول خلال السنوات الماضية، داعياً إلى وقف منح الوقود لمحطات الكهرباء والجهات الحكومية “على النوتة” (بالآجل) ورفع دعم الوقود عن المستهلكين.