“سوناطراك” الجزائرية تحارب الفساد بمنصة رقمية.
يبدو أن المجمع الطاقوي الجزائري “سوناطراك” يتجه نحو مسح اسمه من قائمة قضايا الفساد التي هزته خلال السنوات الماضية، بإطلاق آليات قانونية وتقنية جديدة لمحاربة الرشوة، وتطبيقها على جميع موظفي الشركة وشركائها ومورديها.
ويأتي توجه المجمع الطاقوي لاعتماد وسائل جديدة لمكافحة الفساد، بعد أن نخرت هياكله في العقدين الماضيين شبكات فساد مالي وسياسي تضم مجموعة من السياسيين والمسؤولين في قطاع النفط، اتهمها القضاء بتلقي رشاوى وعمولات بملايين الدولارات مقابل صفقات ضخمة بين سوناطراك وشركات عالمية.
آليات جديدة
وتعبيراً عن رغبتها في تشجيع المبلغين عن الفساد، أعلنت شركة “سوناطراك” عن إطلاق آلية جديدة سمتها “تكلم/ Speak up” وهي بمثابة جهاز إنذار مبكر للإبلاغ عن أفعال الفساد والرشوة والكشف عنها على المستوى الوطني، بما يضمن حماية هوية المبلغين وأمن وسرية المعلومات المتعلقة بالتبليغات.
وذكرت الشركة في بيان نشرته على حساباتها الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، أن منصة الإبلاغ “تكلم”، تعد “آلية تبليغ وتنبيه تندرج في إطار مقاربة استباقية اعتمدتها سوناطراك، مستندة في ذلك للمعيار إيزو 37001 المتعلق بمنظومة إدارة مكافحة الفساد والرشوة”.
وقدمت المؤسسة ضمانات للأشخاص المبلغين عن قضايا فساد، وأكدت أن “المنصة تم تطويرها بمعايير وأدوات آمنة، بشكل يسمح للموظفين والزبائن وذوي المصلحة الآخرين، بالإبلاغ بشكل آمن عن التصرفات غير القانونية أو غير المشروعة الخطرة، وفقاً للقوانين والنظم المعمول بها، وكذا عن كل انتهاك لسياسة ومدونة قواعد السلوك لمكافحة الفساد والرشوة بـ(سوناطراك)”.
وأضافت أن “الآلية الرقمية تتوافق بشكل تام مع توجيهات منظومة إدارة التنبيهات لمعيار (إيزو 37002)، المعتمد من قبل (سوناطراك)، الذي يضمن حماية هوية الأشخاص المبلغين، كما يضمن أمن وسرية المعلومات المتعلقة بالتبليغات”.
وتابعت “الشركة تبحث من خلال هذا المسعى عن تسهيل الإبلاغ الصادق عن أعمال الفساد والرشوة وعن تعزيز أدواتها لمكافحة الفساد، وهي تؤكد مجدداً تعهدها بإرساء مبادئ الشفافية والإنصاف والنزاهة، والحفاظ على المصلحة الاقتصادية والعامة”.
ويعد إطلاق منصة “تكلم” ثاني خطوة يقوم بها مجمع سوناطراك لمكافحة كل الأنشطة المتعلقة بشبهات فساد، منذ بداية 2023، إذ اعتمد في مايو (أيار) الماضي، خطة تتمثل في “بيان سياسة ومدونة قواعد السلوك لمكافحة الفساد والرشوة في سوناطراك، وفقاً للمعيار الدولي إيزو 37001، المتعلق بمنظومة إدارة مكافحة الفساد والرشوة”، تهدف إلى وضع آليات الرقابة والوقاية التي تحظر الفساد وتسهم في تعزيز ثقافة الأخلاقيات بمختلف معاملات وأنشطة سوناطراك، تفادياً لتكرار أكبر قضية فساد بقطاع الطاقة الجزائري، التي وقعت عام 2007.
وفي مايو الماضي، أعلن المدير العام لـ”سوناطراك”، توفيق حكار في تصريحات صحافية، عن وضع آلية إبلاغ تحت تصرف العمال ومختلف الجهات الفاعلة تسمح بجمع التبليغات (في سرية) عن التصرفات والسلوكيات التي تنتهك سياسة ومدونة قواعد السلوك لمكافحة الفساد والرشوة والقوانين المتعلقة بهذا الشأن.
وستوضع هذه المنصة المسماة “أخطار” تحت مسؤولية مصلحة المطابقة والأخلاقيات لسوناطراك التي ستسهر (بحسبه) على ترقيتها وتحيينها بشكل دوري وفقاً للتطورات الظرفية والتنظيمية أو أي مستجدات مرتبطة بهذا المجال.
وقال إن “سوناطراك بصفتها مؤسسة اقتصادية عمومية، معرضة كغيرها من الشركات لظاهرة الرشوة التي تمس بصورتها لذلك فإن مكافحة هذه الآفة أمر حتمي”.
وأكد حكار أن مكافحة الرشوة قضية جوهرية، لهذا انخرطت الشركة في نظام شامل لمكافحة الفساد والرشوة وفق نظام “إيزو”، مضيفاً أن “سوناطراك” تستمد هذه السياسة من التشريعات القانونية والدولية، فالمجمع تبنى سياسة جديدة لمكافحة الرشوة تهدف إلى الاعتماد على الرقابة والتسيير الشفاف وعدم التسامح بأي شكل من الأشكال مع الفساد والرشوة.
ومعيار “إيزو 37001” عبارة عن أنظمة لمكافحة الرشوة والفساد لدى الشركات والمنظمات، تمنحه المنظمة الدولية للتوحيد القياسي، ويتضمن أيضاً إرشادات حول الإجراءات والأساليب التي يمكن اتخاذها للالتزام بمتطلباته.
وفي يوليو (تموز) 2021، اعتمدت شركة “سوناطراك” مدونة أخلاقيات تتضمن آلية جديدة للإبلاغ، ووضعتها في متناول مستخدميها، تسمح بجمع التبليغات في سرية وكتمان.
وأبرز بيان “سوناطراك”، وقتها، أن المدونة “تعد ثمرة تفكير جماعي حول القيم الأخلاقية للمجتمع، وتحدد معايير السلوك والمبادئ الأخلاقية المتوقعة من مسؤولي الشركة ومستخدميها والجهات المعنية الأخرى، المستمدة من القيم والمبادئ الأساسية للشركة”.
وذكر البيان أن “المدونة تسهم في ترقية ثقافة الشفافية ومناخ الثقة، مما يسمح بمنع الأفعال غير المشروعة والتجاوزات المرتكبة على حساب المصلحة العامة ونزاهة الشركة وسمعتها وصورتها”، مضيفاً أنه “بعد إنشاء لجنة الأخلاقيات طورت الشركة آلية للإبلاغ عن التصرفات والسلوكيات التي تحيد عن مدونة الأخلاقيات، وتسمح بجمع التبليغات في سرية”.
سمعة دولية
وخلال مراسيم التوقيع على المدونة، أكد وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب “حرص المجمع على وضع نظام فاعل ومتكامل، يضمن الامتثال لأفضل المعايير العالمية، من خلال الالتزام بأفضل الممارسات العالمية في ميدان النزاهة والشفافية لملاءمة منظومة إدارتها بأساليب الإدارة الحديثة.
والتزم الوزير، بصفته رئيساً لما يعرف بـ”هيئة الحوكمة” لـ”سوناطراك”، العمل على وضع وتطوير جميع الوسائل البشرية والمادية لضمان التطبيق الصارم للنظام المتعلق بمكافحة الفساد.
وقال عرقاب، إن “اعتماد النظام الجديد من قبل سوناطراك من شأنه إضفاء الشفافية في المعاملات واتخاذ القرارات المناسبة والإدارة الفاعلة للمشاريع الاستثمارية، وذلك لتعزيز مصداقية الشركة في السوق العالمية”.
وأشار إلى مضمون القانون في هذا الشأن، إذ إن “المشرع الجزائري أعطى أهمية كبيرة لمكافحة الفساد في مختلف سياساته، واستحدث هيئات عدة متخصصة في هذا المجال، كما فعل دور كثير من أجهزة الرقابة لمحاصرة هذه الظاهرة ومقاومتها، وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة والمساعدة على استعمال الموارد العمومية بفاعلية وشفافية أكثر، وذلك من خلال توفير تدابير الحكم الراشد من بين الهيئات التي وكلت لها مهمة الوقاية ومحاربة الفساد”.
فضائح وإدانات
وتفجرت فضائح فساد في المجمع الطاقوي الجزائري، خلال العقدين الماضيين، تورط فيها مسؤولون في المجمع مع شركاء أجانب، جرى التحقيق فيها محلياً ودولياً، من أبرزها فضيحة فساد مع شركتين إيطاليتين هما “إيني” للطاقة و”سايبام” للهندسة والإنشاءات.
كما يحقق القضاء الجزائري حالياً، بصفقة استحواذ الشراكة الحكومية على مصفاة “أوغوستا” النفطية بجزيرة صقلية الإيطالية عام 2018، وجرى على أثرها ترحيل الرئيس التنفيذي السابق لـ”سوناطراك” عبد المؤمن ولد قدور من الإمارات صيف 2021.
كما دانت محكمة جزائرية، في الفترة نفسها، مدير شركة “سوناطراك” سابقاً محمد مزيان بالسجن خمس سنوات مع التنفيذ، بينما لا يزال وزير الطاقة ومدير الشركة ذاتها سابقاً، شكيب خليل، تحت طائلة مذكرة اعتقال دولية، بتهمة “الاستفادة من عائدات فواتير مضخمة” تخص صفقات مع شركة “إيني” الإيطالية للمحروقات، وذلك عام 2013، وهو يقيم حالياً في الولايات المتحدة الأميركية.
وكانت سليمة مسراتي، رئيسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، صرحت مطلع العام الحالي بأنها تلقت 466 بلاغاً عن الفساد في الشركات والهيئات الحكومية، تخص عام 2022، منها 177 بلاغاً مجهول المصدر.
وخلال النصف الأول من عام 2023، أعلنت “سوناطراك” عن 10 اكتشافات طاقوية جديدة، في إطار استراتيجيتها الرامية إلى زيادة احتياطيات البلاد من الهيدروكربونات، وفي سياق برنامج استثماري ضخم تنفذه الشركة يستهدف استثمار 40 مليار دولار في المدة من 2023 إلى2027، منها 30 مليار دولار في مجال استكشاف النفط والغاز وإنتاجهما.