خبراء في مؤتمر ميونيخ: الغرب بات أكثر إصغاء لأصوات الجنوب
منصف السليمي – DW
هل بات الغرب أكثر استعدادا للإصغاء إلى أصوات جنوب العالم وقضاياه؟ مؤشرات مهمة ظهرت في هذا الاتجاه من خلال أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، وآراء خبراء من قارات مختلفة حاورتهم DW عربية.
يبدو أن الدورة الستين لمؤتمر ميونيخ للأمن العالمي قد قطعت شوطا غير مسبوق في نوعية الحوارات التي دأب المنظمون على إقامتها سواء في الجلسات المعلنة أو خلف الكواليس. فمن بين 60 فعالية نظمها المؤتمر هذا العام وشارك فيها 250 متحدثا، كان 27 بالمئة منهم من جنوب الكرة الأرضية، وهي النسبة الأعلى حتى الآن في تاريخ المؤتمر.
في حوارات أجرتها معهم DW عربية، يرى عدد من الخبراء والمراقبين، بينهم مشاركون في نسخ سابقة من مؤتمر ميونيخ وضمنهم شباب شاركوا للمرة الأولى، أن الحضور “الجنوبي” البارز في المؤتمر لم يكن مجرد “ديكور” بل كان له وزنه في الحوارات التي شهدها فندق بايرشه هوف التاريخي (مقر المؤتمر).
بيد أن متابعة عن كثب لمجريات أعمال المؤتمر تظهر أن التجربة الجديدة التي يخوضها منظمو المؤتمر، وفي مقدمتهم رئيسه الدبلوماسي الألماني المخضرم كريستوف هويسغن منذ توليه إدارة المؤتمر قبل سنتين، تبدو تجربة صعبة ولاسيما عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة مثل صراع الشرق الأوسط أو التسلح النووي، وهو ما يحتاج مزيدا من الوقت لتظهر ثماره: أولا في مخرجات دورة هذا العام من المؤتمر ودوراته المقبلة، وثانيا في واقع علاقات الدول الغربية بدول “الجنوب” سواء بطابعها الرسمي أو الشعبي وغير الحكومي.
تحول في المزاج العالمي؟
ثمة مؤشرات تدفع بعض الخبراء للاعتقاد بأن الإحساس بحتمية التقارب والحوار بين أطراف مختلفة في كوكب الأرض، تغذيه المخاوف المتزايدة من الأزمات المتفاقمة في الكوكب، بدءا بالحروب التي تتسع خارطتها في العالم، وترتفع حصيلة ضحاياها مع التطور المخيف في أصناف الأسلحة الفتاكة، إضافة لملفات الهجرة والأمن الغذائي والأزمات الصحية، والكوارث الطبيعية التي يشتد دمارها على إيقاع تغيرات المناخ المرعبة، وصولا إلى التطورات التكنولوجية المذهلة في ميادين الذكاء الاصطناعي وتنامي تأثير المجتمعات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويمكن رصد بعض المؤشرات من تقرير مؤتمر ميونيخ للأمن السنوي لهذا العام، حيث يرى توبياس بونده رئيس قسم السياسات والتحليل بالمؤتمر، أن التقرير يسلط الضوء على درجة عالية من التشاؤم في الدول الغربية إزاء آفاق أمنها وازدهارها.
وعلى سبيل المثال، يعتقد ما يقرب من نصف المواطنين الألمان أن بلادهم ستكون أقل أمانا وثراء في غضون 10 سنوات. وقال بونده “هذا على النقيض تماما في دول مثل الصين والهند، حيث الأغلبية أكثر تفاؤلا بشكل ملحوظ”.
وأضاف “في العديد من المجتمعات الغربية، يغلب شعور بأن مكاسب العولمة موزعة بشكل غير عادل وأن النظام العالمي الحالي لا يستطيع تلبية توقعاتهم”. ملاحظا أن هذا بدوره يثبط الرغبة في التعاون الدولي في قضايا مثل تغير المناخ.
وفي خطابه الافتتاحي للمؤتمر، حذر أنطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة من منحى خطير يتمثل في أن الحروب المشتعلة حاليا تسجل انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، بشكل غير مسبوق وتتجاوز حتى حقبة الحرب الباردة. ولتجاوز المأزق الذي يواجهه النظام الدولي، دعا أمين عام الأمم المتحدة لإقامة نظام تعددية قطبية جديد، بما يشمل إصلاح مجلس الأمن الدولي.
اختبار صعب
يبدو أن الصدى الواسع للنقاشات، التي دارت في جلسات وكواليس مؤتمر ميونيخ حول حرب غزة، لا يُظهر فقط اهتمام صانعي السياسات الأمنية الغربية والدولية بهذا الصراع وتداعياته على الأمن العالمي وحسب، بل يكشف أيضا أن صعوبة الاختبار الذي يخوضه منظمو مؤتمر ميونيخ بدعوتهم مشاركين على نطاق أوسع من دول الشرق الأوسط وقارات إفريقيا وآسيا وجنوب أمريكا. وقد كان لافتا حضور عدد كبير من مسؤولين حكوميين وقادة عسكريين ورؤساء أجهزة استخبارات من دول عربية وإفريقية، كما سُجل حضور بارز لممثلين من المجتمع المدني والباحثين.
وفي حوار مع DW عربية قال الدكتور عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث (مقره الرياض)، إنه يرصد تحولا يحدث في نظرة الدول الغربية إزاء الصراع في الشرق الأوسط. ففي ظل تطورات حرب عزة، كان لمبادرة إحداث لجنة اتصال ومتابعة خاصة بأزمة غزة، التي شكلتها قمة الدول العربية والإسلامية بدعوة سعودية، والتحركات الدبلوماسية التي قامت بها لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية أو أيضا الصين وروسيا والهند، كان لها “تأثير إيجابي”، برأي الخبير السعودي، باتجاه “إدراك عواصم هذه الدول المؤثرة في العالم للصورة الحقيقية للصراع في الشرق الأوسط”، مشيرا بالخصوص للدول الغربية التي “كانت تاريخيا متأثرة بوجهة النظر الإسرائيلية”.
ويرى الدكتور بن صقر أن الاتجاه اللافت الذي برز في مؤتمر ميونيخ لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية وشبه الاجماع عليها، يؤكد “مصداقية المساعي من أجل السلام التي قامت بها المملكة العربية السعودية من سنة 2002” عندما طرح الملك الراحل عبد الله “المبادرة العربية للسلام” وأقرت في قمة الجامعة العربية في بيروت في نفس العام.
وخلال مؤتمر ميونيخ هذا العام اعتبر الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي، حين سئل عن مصير خطوات التطبيع بين إسرائيل والسعودية التي أعلن عنها منذ عام، أن الأولوية الآن لوقف الهجوم الإسرائيلي على رفح، مشددا على إقامة الدولة الفلسطينية وحل الدولتين.
بينما دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ في كلمته أمام المؤتمر السعودية إلى تطبيع العلاقات مع بلاده، قائلا إن ذلك سيمثل “انتصارا على حماس”. وقال هرتسوغ إن من بين أهداف هجوم حماس على إسرائيل هو تعطيل المحادثات لإرساء علاقات مع الرياض، مضيفا “لهذا السبب فإن المضي قدما مع السعودية سيكون بوضوح انتصارا على ما فعلته حماس”.
وبخلاف الرأي السائد في حكومة بنيامين نتانياهو حول إقامة دولة فلسطينية، قال الرئيس الإسرائيلي إن التفاوض مع الفلسطينيين على إقامة دولتهم أمر وارد، لكن ليس قبلالقضاء على الإرهاب الذي تمثله حماس ومخاطره على حياة الإسرائيليين.
ورغم انتكاسة مفاوضات وقف إطلاق النار، التي ترعاها الولايات المتحدة ومصر وقطر، بين إسرائيل وحماس، فقد عقد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ووزراء أوروبيين مع نظرائهم الخليجيين والعرب، على هامش المؤتمر اجتماعا تركز حول الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب، وتم خلاله التأكيد على ربط هذا الملف بمستقبل التطبيع بين السعودية وإسرائيل ومسار إقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين. وقال وزير الخارجية الأمريكي في المؤتمر إن أمام إسرائيل “فرصة استثنائية” لتطبيع العلاقات مع العرب، مؤكداً ضرورة إقامة دولة فلسطينية، بنبرة أكثر تصميما مما صدر عنه في السابق، كما يرى مراقبون.
وفي كلمته، خلال جلسة في المؤتمر شارك فيها إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي ونظيرته الألمانية آنا لينا بيربوك، نحا وزير خارجية الهند سوبراهمانيام جايشانكر في نفس الاتجاه حول أسس تسوية شاملة للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
“التسلح لا يجلب الأمان”
تكشف تقارير مراكز متخصصة في سياسات التسلح، بأن مؤشرات ارتفاع الإنفاق العالمي على التسلح في تنامٍ كبير، وبأن حصص الأسد منها تنفقها دول نامية، مثلا في شمال إفريقيا (الجزائر) والشرق الأوسط والخليج (السعودية) والقارة الإفريقية (جنوب أفريقيا ونيجيريا)، على حساب التنمية وأولويات أخرى، مثل تغير المناخ والتعليم والبحث العلمي.
وعندما يُسلط الضوء على مصانع السلاح في العالم، تبدو مسؤولية الدول الغربية كبيرة إلى جانب روسيا والصين ودول أخرى صاعدة مثل الهند والبرازيل. وقد فرضت حرب أوكرانيا، التي تدخل عامها الثالث، منحى جديدا لزيادة التسلح في الدول الأوروبية التي كانت تعتبر الأكثر أمانا في العالم، ويبلغ الجدل حول التسلح في أوروبا ذروته حاليا بطرح فكرة التسلح النووي للقارة في مواجهة التهديد الروسي في المستقبل. إذ كان للفكرة صدى واسع في مؤتمر ميونيخ رغم التحفظات التقليدية تاريخيا في ألمانيا على التسلح النووي.
في حوار لـDW عربية مع الدكتورة ميسا باركه، المديرة التنفيذية للمؤسسة الدولية لمناهضة التسلح النووي (جنيف)، ترى أن فكرة الحصول على أسلحة نووية سواء من قبل دول أوروبية أو غيرها من دول العالم، كسبيل لحماية أمنها هي “فكرة مضللة إلى أقصى الحدود”. وأوضحت أن “الأسلحة النووية لا تضمن الأمن، وإنما تضمن استمرار حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار وانعدام الأمن”.
وترى الخبيرة الناشطة في قضايا مناهضة التسلح النوويـ وصهي وزيرة سابقة للتعاون الدولي في بلادها استراليا، أن الطريق أمام أوروبا، إذا أرادت أن تكون آمنة، يتلخص في التوقيع على معاهدة الأمم المتحدة بشأن حظر الأسلحة النووية، التي وقع عليها نصف العالم بالفعل. “هذا هوالأمن الحقيقي لأوروبا، وهو التخلي عن نظرية الردع التي عفا عليها الزمن والمعيبة من أجل تبني مستقبل في مجال نزع السلاح النووي”.
وحول تأثر دول الجنوب بسياسات التسلح النووي، ترى الدكتورة باركه أن التأثير قائم بالفعل ولذلك يجب أن يكون لدول الجنوب صوت في بلورة مفاهيم الأمن في المستقبل. وأشارت بأن معظم الدول الموقعة على معاهدة حظر الأسلحة النووية هي من دول الجنوب، وعلى أوروبا التي ما تزال تراهن على السلاح النووي أن تحذو حذو دول الجنوب. ولفتت بأن مشاركة خبراء وصناع قرار وممثلي المجتمع المدني من دول الجنوب في مؤتمر ميونيخ لها أهمية بالغة.
وحذرت من ازدواجية الخطاب الذي تنتهجه القوى التي تقود العالم، مؤكدة أن “نزع السلاح النووي سيجعل العالم آمناً، لأن منع انتشاره ووقف العسكرة سيقلص من المواجهات والحروب”.
وترى الخبيرة باركه بأن الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وخاصة الحرب في غزة، يذكر العالم بأن الشرق الأوسط يشكل أيضا “بؤرة نووية محتملة الاشتعال”. وتدعو إلى “ضرورة مناقشة الأسلحة النووية الإسرائيلية”.
وإسرائيل ليست القوة النووية الوحيدة في منطقتي الشرق الأوسط والأدنى، بل تحوز أيضا باكستان والهند على سلاح نووي، كما تقطع إيران خطوات حثيثة في هذا الاتجاه وتواجه بسببه ضغوطا غربية وإسرائيلية، كما يشعل سيناريو حيازة إيران على سلاح نووي سباقا نحو امتلاك قدرات نووية لدى دول المنطقة مثل السعودية ومصر.
وبرأي الدكتور اودو ايلو، مدير مركز المدنيين في الصراع (سيفيك) ومقره في لاهاي، فإن مشاركة بوزن أكبر من دول الجنوب في مؤتمر ميونيخ تعتبرا مؤشرا إيجابيا على تعزيز اتجاه الحوار بين الغرب ودول الجنوب، وأشار إلى نزاعات القارة الإفريقية ودور القوى الكبرى في تغذيتها.
وفي رده على سؤال DW عربية حول أسباب فشل سياسات الدول الغربية، مثلا في منطقة الساحل والصحراء، عزا الخبير ايلو ذلك إلى هيمنة “النظرة الأمنية الضيقة” في معالجة مشاكل الاستقرار في دول المنطقة، ودعا إلى اعتماد رؤية شاملة للمستقبل، تدمج العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية، وتساهم في مكافحة الفساد والأزمات الاقتصادية في دول المنطقة لمساعدتها على تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
وتعتبر دول الساحل والصحراء وشمال إفريقيا مصدرا رئيسيا للهجرة واللجوء نحو أوروبا، وتنتقد دول أوروبية عديدة لتركيزها في معالجة هذا الملف على النظرة الأمنية الصرفة.
مفهوم أوسع للأمن
في ظل تطورات حثيثة يشهدها العالم، يسابق منظمو مؤتمر ميونيخ الزمن من أجل إخراج مناقشات مؤتمرهم وجلساته، سواء العلنية أو التي تدور خلف الكواليس، من طابعها التقليدي الذي كان يركز على مفاهيم الأمن الكلاسيكي مثل التسلح أو النزاعات، باتجاه إقامة فعاليات جديدة في صلب المؤتمر تكون بمثابة منتديات للحوار والبحث عن تصورات استباقية وبدائل لمشاكل العالم اليوم وفي الغد.
ومن هنا جاءت فكرة إطلاق حوارات بين فئات صاعدة من الشباب والمرأة، وضمنها يبدو حضور أجيال جديدة من صانعي الرأي والمؤثرين في مجتمعات دول الجنوب. شزى باري، ناشطة شابة من تركمانستان، لفتت في حديث مع DW عربية، بأنها للمرة الأولى تشارك في مؤتمر ميونيخ، وبأنها أعجبت بالحوارات التي شاركت فيها في جلسات خاصة بمبادرة “القيادات النسائية الشابة” وخلالها طرحت قضايا تتعلق بتشجيع الدور القيادي للنساء ولاسيما في دول الجنوب ومجتمعات محافظة مثل بعض المجتمعات المسلمة.
كما أطلقت مبادرة لافتة لإخراج مناقشات السياسات الأمنية من دوائرها المغلقة وتشجيع المواطنين للتحاور حولها عبر سلسلة فعاليات تحمل اسم “نقطة تحول في المسيرة”.
ويشمل برنامج المبادرة تنظيم فعاليات في مبنى بلديات وزيارات للمدارس والشركات والمؤسسات. كما يقول السيد نيكو لانغ، وهو مسؤول بارز في مؤتمر ميونيخ للأمن، “من المهم للغاية أن يقوم الآن مؤتمر ميونيخ، الذي يدعو رؤساء الدول والحكومات والوزراء والخبراء، لفتح باب الحوار مع المواطنين أيضا، “فإذا كنا نريد أن نمنح شرعية ديمقراطية لهذه السياسة الأمنية الجديدة، لا يمكننا الاكتفاء باتخاذ القرار في برلين فحسب، بل يتعين علينا التحدث إلى الناس في جميع أنحاء البلاد، والاستماع إلى ما سيقولونه وشرح سبب أهمية التوجهات الجديدة في السياسة الأمنية”، حول قضايا مثل التسلح وسياسات الطاقة والصراع في الشرق الأوسط.
نيكو لانغ هو عالم سياسي ألماني وخبير عسكري عمل في الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا وروسيا ويشغل منصبا رفيعا في وزارة الدفاع. ويعمل منذ عامين تقريبا في مؤتمر ميونيخ للأمن وهو المسؤول عن تنسيق المناقشات الحوارية، يرى أن “ثقافة الحوار المباشر بنَّاءة وهادفة أكثر من المناقشات المشحونة عبر الإنترنت” ملاحظا أن “الناس أكثر ودّا وتحضرا في الواقع، مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي”.
أصوات “خارج السرب“
لكن ثمة أصوات عالية تغرد خارج سرب مؤتمر ميونيخ، يمكن رصدها على الأقل في صنفين. صنف أول استبعده المنظمون من المشاركة في المؤتمر ويتعلق الأمر بحكومتي روسيا وإيران، اللتين اعتادتا المشاركة وعلى أعلى المستويات في المؤتمر، بسبب دورهما في إشعال حروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وعدم إبداء “جاهزية لحوار بناء” من جانبهما، وفق ما أوضح رئيس المؤتمر هويسغن. بينما شارك خبراء وممثلون للمجتمع المدني من البلدين. وقد شهد المؤتمر لحظات مؤثرة عندما تحدثت زوجة المعارض الروسي إليكسي نافالني، الذي تصادفت واقعة وفاته في سجنه بسيبيريا مع انطلاق أعمال المؤتمر.
لكن الاستثناء من المشاركة في مؤتمر ميونيخ شمل أيضا بعض الأحزاب السياسية الألمانية؛ يتعلق الأمر بحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي وحزب “تحالف سارة فاغنكنيشت”، وهو حزب يساري جديد في الساحة السياسية الألمانية ويتبنى موقفا يوصف بالمحابي لروسيا.
بينما جاء استثناء حزب “البديل” من المشاركة، وذلك للمرة الثانية، في أوج حملة شعبية تقودها منظمات من المجتمع المدني مناهضة لليمين المتطرف في ألمانيا على خلفية كشف تحقيق صحفي خطة سرية لأطراف يمينية متطرفة من ألمانيا والنمسا تهدف لترحيل ملايين المهاجرين، وضمنهم متجنسون، وهي حملة أشاد بها المستشار أولاف شولتس ووصفها بأن مبادرة شعبية للدفاع عن الديمقراطية، ويرى محللون بأن استمراريتها قد ترشحها للتحول إلى حركة اجتماعية ناهضة في المجتمعات الأوروبية ضد اليمين المتطرف.
كما شهدت شوارع مدينة ميونيخ في اليوم الثاني من المؤتمر مظاهرات شارك فيها الآلاف من نشطاء المجتمع المدني بدعوة من تحالف مناهض لمؤتمر ميونيخ وجماعات مدافعة عن البيئة والسلام، ويعتبرونه منتدى “لدعم سياسات التسلح التي يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو)”. ورفع متظاهرون شعارات تطالب بوقف المآسي التي تحدث بسبب حروب أوكرانيا وغزة ونزاعات القارة الإفريقية، وتندد بتدهور أوضاع حقوق الإنسان في دول عديدة من قارات العالم، ومعظمها في دول الجنوب وتربطها علاقات وثيقة بالقوى الغربية.
وتظهر هذه الفعاليات الفجوة القائمة ليس فقط بين دول غربية وعالم الجنوب، بل أيضا في صلب المجتمعات الغربية نفسها بين صانعي السياسات الأمنية وفئات من المجتمع المدني.