ترامب يملك اليدَ العليا على نتنياهو… ولكن هل هذا كافٍ لغزّة؟

كتبت رينا باسيست, في موقع “المونيتور” الأميركي:
يماطل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي بشأن غزة، إلا أنّ دونالد ترامب يمتلك في نهاية المطاف نفوذاً أكبر بكثير عليه.
قبل اجتماعهما المقرر في 29 كانون الأول/ديسمبر في فلوريدا، من المرجح أن يُصعّد الرئيس دونالد ترامب الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأميركية لغزو غزة والتوصل إلى اتفاق أمني مع سوريا.
وترى مصادر دبلوماسية أن ترامب يملك زمام المبادرة، ومن المتوقع بالتالي أن يستخدم هذا النفوذ لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي على قبول السياسات الإقليمية الأميركية.
“إسرائيل” تختبر صبر الولايات المتحدة
في الأسبوع الماضي، قتلت “إسرائيل” قائداً بارزاً في حركة حماس، رائد سعد، من دون إخطار البيت الأبيض أو مركز التنسيق المدني العسكري الأميركي في كريات جات، المسؤول عن متابعة التطورات في غزة. وردّ البيت الأبيض بتوبيخ نتنياهو.
وذكر موقع “أكسيوس” أنّ رسالة نُقلت إلى رئيس الوزراء جاء فيها: “إذا كنت ترغب في تشويه سمعتك وإظهار عدم التزامك بالاتفاقيات، فلك ذلك، لكننا لن نسمح لك بتشويه سمعة الرئيس ترامب بعد أن توسط في اتفاق غزة”. وفي حين نفى ترامب وجود أي خلاف مع نتنياهو، قال يوم الاثنين إنّ واشنطن “تدرس” ما إذا كانت “إسرائيل” قد انتهكت وقف إطلاق النار في غزة بالغارة التي أودت بحياة سعد.
منذ توليه منصبه لولاية ثانية، يدعم ترامب “إسرائيل” في حربها ضد حماس في غزة. وعلى مدار العامين الماضيين، شنّ ترامب هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، وتوصل إلى اتفاق أدى إلى إطلاق سراح 48 أسيراً كانوا محتجزين في غزة، ليصبح الزعيم الأكثر شعبية في نظر الإسرائيليين. مع ذلك، برزت التوترات بين ترامب ونتنياهو في 7 نيسان/أبريل، عندما أعلن الرئيس الأميركي بدء محادثات مباشرة مع إيران بشأن اتفاق نووي. جلس نتنياهو بجوار ترامب في البيت الأبيض حين أدلى الرئيس الأميركي بهذا الإعلان، وبدا عليه الاستغراب، بل والصدمة.
ازدادت التوترات بين الرجلين حدةً بعد أن شنت “إسرائيل” هجوماً على الدوحة في 9 أيلول/سبتمبر، مستهدفةً قادة حماس الموجودين هناك. نُفذ الهجوم من دون استشارة “إسرائيل” لواشنطن مسبقاً، وعلى الرغم من استضافة قطر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط. استغلت واشنطن هذا الوضع للضغط على “إسرائيل” للتوصل إلى اتفاق مع حماس لإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب.
وربما كان من المفاجئ، رغم غضب واشنطن، أن ترامب دافع عن نتنياهو في عدة مناسبات خلال محاكمته بتهم الفساد والاحتيال، داعياً الرئيس الإسرائيلي إلى العفو عنه. في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، أرسل نتنياهو إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ طلباً رسمياً للعفو، مستشهداً، من بين أمور أخرى، بحملة ترامب للعفو عنه.
لقد خاطر ترامب بمكانته الدولية إلى حد كبير بخطته للسلام المكونة من عشرين بنداً لغزة. ومع ذلك، تواصل “إسرائيل” قصفها للقطاع، ويبدو أنّها غير مستعدة لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة، والتي تنص على الانسحاب الكامل لقواتها من قطاع غزة مقابل نزع سلاح حماس.
قال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق نداف تامير، الذي عمل في واشنطن، لموقع “المونيتور”: “يستغل نتنياهو حقيقة أن المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر لا يتوليان ملف غزة فحسب، بل ملف أوكرانيا الشائك أيضاً، لمواصلة الضغط على حماس وتأخير تنفيذ المرحلة الثانية”. وأشار إلى أنّ مركز كريات جات مكلف بمراقبة تحركات “الجيش” الإسرائيلي في غزة ووضع مقترحات للخطوة التالية، وليس بممارسة ضغوط على نتنياهو. وبالتالي، يفلت نتنياهو من العقاب في الوقت الراهن. لكن بمجرد جلوسه مع ترامب في مارالاغو، من المرجح أن يجبره الرئيس على المضي قدماً.
في الواقع، مع بقاء رهينة واحدة في غزة، لم يجبر البيت الأبيض نتنياهو بعد على بدء تنفيذ المرحلة الثانية، التي تتطلب الكثير من التحضير. ومع ذلك، تشير المحادثات متعددة الأطراف التي عُقدت في الدوحة يوم الثلاثاء بشأن إنشاء قوة الاستقرار الدولية إلى تسارع وتيرة التحضيرات للمرحلة الثانية من خطة غزة.
أعلن ترامب في 11 كانون الأول/ديسمبر أنه سيُعلن عن تشكيل مجلس السلام، الذي سيتولى إدارة غزة مطلع عام 2026. وبالتالي، ستُناقش هذه المسألة بوضوح، ومن المتوقع التوصل إلى اتفاق بين الزعيمين خلال اجتماعهما في 29 كانون الأول/ديسمبر. سيُبقي هذا على قضية رئيسية واحدة عالقة، وهي تشكيل حكومة تكنوقراطية فلسطينية.
سيضمن تشكيل هذه الحكومة لجميع الدول الراغبة في المساهمة بقوات في القوات الأمنية الفلسطينية شرعية خطة غزة. من المرجح أن يقترح البيت الأبيض نموذجاً يضم شخصيات فلسطينية بارزة لا ترتبط مباشرةً بالسلطة الفلسطينية، ما يُرجّح قبول نتنياهو له. وقدّر تامير قائلاً: “عندما تُحسم هذه القضايا الثلاث، وإذا كان ترامب مصمماً بالفعل على تنفيذ خطته، فلن يكون أمام نتنياهو خيار سوى التعاون”.
“مراقبو نتنياهو”
منذ أن اتفقت “إسرائيل” وحماس على وقف إطلاق النار في 3 تشرين الأول/أكتوبر، دأبت واشنطن على إرسال مبعوثين مكلفين بضمان التزام نتنياهو بالتوجيهات الأميركية بشأن غزة ولبنان وسوريا. وقد أطلقت عليهم الصحافة الإسرائيلية، بسخرية، لقب “مراقبو نتنياهو”. ويتولى ويتكوف وكوشنر مسؤولية خطة غزة، بينما تتولى المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس ملف لبنان، ويتولى توم باراك ملفي لبنان وسوريا، ويتولى السفير مايك والتز مسؤولية العلاقات الإسرائيلية -الأميركية بشكل أوسع. كما زار وزير الخارجية ماركو روبيو ونائب الرئيس جيه دي فانس “إسرائيل” مؤخراً.
وقال تامير: “تعكس هذه الزيارات الأميركية المتكررة لإسرائيل بوضوح من هو الطرف الأقوى في ميزان القوى بين ترامب ونتنياهو”، مضيفاً أن نتنياهو لا يملك فعلياً أي نفوذ يُذكر على واشنطن.
تكمن المشكلة في أنّ التوجيهات الأميركية لم تكن واضحة تماماً حتى الآن، ما يمنح نتنياهو هامشاً للمناورة. سمحت إدارة ترامب لـ “إسرائيل” بمواصلة قصف حزب الله في لبنان، ورغم توبيخها لنتنياهو على هجوم الأول من كانون الأول/ديسمبر في جنوب سوريا الذي أودى بحياة 13 شخصاً، إلا أنها في الواقع مكّنت “إسرائيل” من مواصلة غاراتها هناك. وأعلن “الجيش” الإسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي أنه استهدف مواقع سورية قرب بلدة درعا.
لا يعني غموض موقف أميركا وتساهلها أن ترامب قد تبنى سياسات نتنياهو أو مصالح “إسرائيل” الأمنية. لكن هذا يعني أنه على المدى البعيد، قد يكون لدى نتنياهو مجالٌ ليقرر ما إذا كان سينفذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بالكامل أو يتوصل إلى اتفاق أمني مع سوريا. وقال تامير إنّ الأمر برمّته سيتوقف على مدى الضغط الذي ستمارسه واشنطن على نتنياهو، مضيفاً أن الرئيس الأميركي قد يستخدم “إسرائيل”، في الواقع، كورقة ضغط للضغط على الحكومتين اللبنانية والسورية للمضي قدماً في إصلاح بلديهما.
من المقرر أن تجري “إسرائيل” انتخابات في تشرين الأول/أكتوبر 2026. وقد تؤدي الأزمة السياسية المتعلقة بتجنيد رجال من الحريديم إلى إجراء انتخابات مبكرة. يعتمد نتنياهو على الأحزاب الحريدية للحفاظ على أغلبية ائتلافية تضم 61 عضواً في الكنيست، ولكن إذا لم يُحسم أمر استثناء الرجال الحريديين، فقد تسقط الحكومة.
كما يضم ائتلاف نتنياهو حزبين من اليمين المتطرف. ومع إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، يتضاءل نفوذ اليمين المتطرف على نتنياهو خلال حرب غزة بشكل سريع. ويتلاشى تهديدهم المستمر بإسقاط الحكومة إذا لم يتماشَ نتنياهو مع سياساتهم، بينما من المتوقع أن يزداد نفوذ ترامب تجاه نتنياهو. وقال تامير إنه مع احتمال إجراء انتخابات مبكرة، سيسعى نتنياهو على الأرجح إلى تقديم نفسه كزعيم أبرم اتفاقيات مع لبنان وسوريا ووسع “اتفاقيات أبراهام” لعام 2020. كل هذه الإنجازات، الضرورية لنتنياهو سياسياً، تتطلب تعاون ترامب ومساعدته.




