رأي

ترامب وبوتين واللاعب الأوروبي

كتب مفتاح شعيب, في الخليج:

تواجه القمة المفترضة في العاصمة المجرية بودابست، بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، مصيراً مجهولاً، بعدما أخذت تتقاذفها التصريحات الباردة والساخنة من واشنطن وموسكو، في مؤشر واضح على أن التحضير لهذه القمة ليس سهلاً ويتطلب وقتاً.
ما صدر عن البيت الأبيض والكرملين لم يجزم بإلغاء القمة، وإنما شدد على ضرورة عقدها، إذا كانت مثمرة للجانبين، رغم الاعتراف الضمني بأن مواقف البلدين مازالت متباعدة، بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، وقد يكون للاعب الأوروبي دور كبير في إفساد التحضيرات للاجتماع المعلق، خشية أن ينساق ترامب وراء مصالحه وطموحاته، فيخضع لرغبات الرئيس الروسي.
ترامب يريد أن يجتمع مع بوتين والتوصل إلى صيغة توقف إطلاق النار، ليستثمر ذلك كواحد من إنجازاته التسعة أو الثمانية في إطفاء الحروب، كما يقول ويروج، أما بوتين فلا يريد وقف القتال من دون ثمن أو مجاملة للرئيس الأمريكي. وإلى حد هذه اللحظة، فإن الرجلين على طرفي نقيض، وبينهما يقف قادة أوروبا المتخوفون من اتفاق واشنطن وموسكو على حساب مصالح دول الاتحاد وأمنها الجماعي، أما الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي فيقف على ثلاثة أثاف، واشنطن وموسكو وبروكسل، ويخشى بدوره، كما الأوروبيون، أن يخرج من الحرب مهزوماً مكسوراً بالتنازل عن نحو ربع مساحة بلاده، وأن يخرج من السلطة من الباب الصغير، ومعه ستلحق بكل قادة أوروبا هزيمة استراتيجية لا يمكن تعويضها في المدى المنظور.
رغم العقبات والعراقيل الكثيرة، سيصمم ترامب على عقد القمة مع نظيره الروسي، لأنها الخيار الوحيد الممكن، أما العودة إلى سياسة سلفه جو بايدن بفرض العقوبات ودعم أوكرانيا عسكرياً، فلن يكون مجدياً، وقد يجر الولايات المتحدة، للمرة الأولى، إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، فيتحقق بذلك الكابوس التي ظل فرضية مستحيلة على مدى 80 عاماً، وسعى الزعماء الأمريكيون ومثلهم السوفييت ثم الروس لاحقاً، إلى عدم تجاوز هذا الخط الأحمر العريض، وليس هناك ما يؤكد أن ترامب يمتلك الجرأة لخوض هذه المواجهة، كما أن بوتين ليس من مصلحته أن يخوض حرباً ضد الولايات المتحدة أو أي دولة غربية أخرى ضمن «الناتو».
الظروف الكفيلة بجعل أي قمة بين ترامب وبوتين ناجحة ومثمرة، تبدأ بإقناع الأطراف الأوروبية بالمشاركة فيها، مع استعدادها لتقديم تنازلات لروسيا، وليس بفرض الإملاءات والمطالب النرجسية التي تجاوزها العالم، والنتائج الراهنة للحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، سيظل الدور الأوروبي مهماً في أي اتفاق بين واشنطن وموسكو، وبدونه سيكون أي اتفاق مشكوكاً في صموده، وقد يأخذ الوضع إلى طريق لا رجعة عنه، وهي المواجهة طويلة الأمد، والرهان على تغيير ما في روسيا، وهو ما لن يحدث، لأن المعركة الجارية ليست معركة بوتين، بل معركة روسيا التي لا تريد أن تظل على الهامش، بل صانعة للقرار العالمي، وواحدة من أقطابه الكبرى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى