رأي

بين دمشق وموسكو… إسرائيل الحاضر الدائم

كتب خيرالله خيرالله, في العرب:

بين الانتهازية التي مارسها حزب البعث بشعاراته البالية المعادية للغرب وبين انتهازية موسكو كان هناك دائما رابح واحد وحيد من طبيعة العلاقة بين الكرملين ودمشق هذا الرابح هو إسرائيل.

إذا نظرنا إلى تاريخ العلاقة بين روسيا وسوريا، وقبل ذلك بين الإتحاد السوفياتي وسوريا، نجد أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس أحمد الشرع لموسكو أخيرا تسمح بالكلام عن فتح صفحة جديدة في العلاقة بين بلدين مارس كلّ منهما، على طريقته، سياسة تتسم بالانتهازية.

بين الانتهازية التي مارسها حزب البعث بشعاراته البالية المعادية للغرب، حتى في مرحلة ما قبل وضع يده على سوريا ابتداء من آذار – مارس 1963… وبين انتهازية موسكو، كان هناك دائما رابح واحد وحيد من طبيعة العلاقة بين الكرملين ودمشق. هذا الرابح هو إسرائيل.

لم تستفد إسرائيل من الوضع الداخلي السوري، خصوصا من شخص حافظ الأسد الذي ركّز منذ بدء صعود نجمه إثر انقلاب 23 شباط – فبراير 1966، على إقامة نظام أقلوي في سوريا وحمايته إسرائيليا فحسب، بل استفادت أيضا من انكشاف الضعف السوري في حرب حزيران – يونيو 1967. تجلّى ذلك الضعف بتسليم الأسد، الذي كان وزيرا للدفاع وقتذاك، الجولان لإسرائيل. لا يزال الجولان محتلا منذ 58 عاما.

فتحت زيارة الشرع لموسكو صفحة جديدة بين البلدين تظهر عمق الحضور الإسرائيلي في العلاقة بين موسكو ودمشق… لا دور روسي في الجنوب السوري مستقبلا من دون تفاهم مع إسرائيل

كذلك، لا يزال السؤال الذي، لا جواب عنه إلى يوما هذا، ما الذي فعلته موسكو لتفادي حرب الأيام الستة، علما أنّها كانت على علم بتفاصيل موازين القوى في المنطقة؟ لماذا سمحت بنشوب تلك الحرب التي حرضت عليها سوريا ووقع الضابط الريفي جمال عبد الناصر في فخها؟ لدى محاولة الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة، يتبادر إلى الذهن جواب منطقي واحد. كان لدى الإتحاد السوفياتي هدف واحد يتمثّل في إضعاف سوريا كي تكون أكثر تحت رحمته ورحمة أسلحته التي لا تفيد في الحروب بمقدار ما تفيد في قمع الشعوب…

فتحت زيارة الشرع لموسكو واللقاء الذي عقده مع الرئيس فلاديمير بوتين صفحة جديدة بين البلدين. تظهر الصفحة الجديدة عمق الحضور الإسرائيلي في العلاقة المختلفة بين موسكو ودمشق ومحورية هذا الحضور. على سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن أن يكون هناك دور روسي في الجنوب السوري مستقبلا من دون تفاهم مع إسرائيل في شأن هذا الدور وطبيعته.

ليس سرّا حصول اتصالين بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبيل وصول الرئيس السوري إلى موسكو. يعني ذلك، في طبيعة الحال، أن البحث بين الرئيسين السوري والروسي تطرّق إلى استمرار تسليح الجيش السوري وإرسال قطع غيار، على رأسها قطع غيار للدبابات والمدرعات. لكنّ ذلك سيكون بضوء أخضر إسرائيلي ليس إلّا.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن لروسيا البقاء في  قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية من دون تفاهم مع إسرائيل. تريد روسيا البقاء في هاتين القاعدتين. بدت موسكو مستعدة للبحث في  شروط جديدة تتحكّم بهذا الوجود مع الحكومة السورية.

إلى ذلك، يوجد حديث خارج القنوات الإعلامية عن نقاش روسي – سوري محوره موضوع المقاتلين الأجانب، الروس والشيشان تحديدا، في سوريا خصوصا أولئك الذين انضمّوا إلى “هيئة تحرير الشام”، ومستقبل بقائهم آو عودتهم.

في العلاقة السوريّة – الروسيّة، وقبلها العلاقة السوريّة – السوفياتيّة، كانت إسرائيل حاضرة. سيزداد حضورها الآن في ضوء الوضع السوري الداخلي، الذي أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه في غاية التعقيد

الأكيد أنّه كانت هناك⁠ متابعة لموضوع الأموال السوريّة المودعة أو المجمدة في مصارف روسية وهي تابعة لرجال أعمال سوريين تابعين للنظام السابق. هؤلاء بقوا في سوريا وسوّوا وضعهم أمنيا. لكنّ روسيا ما زالت تتحفظ عن تلك الأموال التي تعود إلى أشخاص معيّنين. يبقى الأهم من ذلك كلّه موضوع الديون السورية مع روسيا خلال السنوات الأخيرة والتي استخدمها بشّار الأسد لشراء أسلحة ومعدات للمحافظة على نظام لم يمتلك يوما أيّ شرعيّة. حافظت موسكو على علاقتها القويّة بالنظام العلوي على الرغم من أنّ حافظ الأسد لم يبحث يوما سوى عن ضمانة إسرائيلية.

توجد لدى روسيا حاجة للإدارة السورية الجديدة نظرا إلى أنّ لديها مصالح كبرى في سوريا، من بينها قاعدة حميميم التي تعتبر مطارا تتوقف فيه طائرات الشحن الروسية في طريقها إلى القارة الإفريقيّة. لا تريد الخروج من سوريا بسبب تغيير نظام الحكم. لكنّ متابعين للموضوع السوري يعتقدون أنّه يجب توخي الحذر من تداعيات تحسين العلاقات مع روسيا في ظل المزاج المتقلب للرئيس ترامب والوضع الحالي في أوروبا المعادي للحرب الروسية على أوكرانيا.

تجاهل الشرع مشاركة روسيا، بناء على طلب إيراني مباشر حمله قاسم سليماني إلى موسكو، في الحرب التي شنّها بشّار الأسد على الشعب السوري. لعب سلاح الجو الروسي انطلاقا من حميميم دورا أساسيا في منع سقوط الساحل السوري في يد المعارضة خريف العام 2015.

أي دور لروسيا في سوريا مستقبلا وهل يفيدها هذا الدور في إيجاد توازن مع أميركا وأوروبا يصبّ في مصلحة النظام الجديد؟ الأكيد أن أحمد الشرع ما كان ليذهب إلى موسكو، وأن يرسل إليها قبل ذلك وزير الخارجيّة اسعد الشيباني، لولا دور تركي في تسهيل الزيارة الرئاسيّة. توجد علاقات متميّزة بين الرئيس الروسي والرئيس رجب طيب أردوغان. كان من بين الأخطاء التي عجّلت في سقوط بشّار الأسد تجاهله لنصائح بوتين رافضا السير في اتجاه مصالحة مع أردوغان. ركب بشّار في الشهور التي سبقت فراره رأسه. ظنّ أنّه سياسي محنّك وذهب بعيدا في معاداة تركيا والاتكال على استمرار الحماية الإسرائيلية له. كذلك، اتكل على مراعاة إسرائيليّة لعلاقته بإيران غير مدرك أنّ “قواعد الاشتباك” بين “حزب الله وإسرائيل تغيّرت، بل لم تعد موجودة، في ضوء “طوفان الأقصى” و”حرب إسناد غزّة”.

في العلاقة السوريّة – الروسيّة، وقبلها العلاقة السوريّة – السوفياتيّة، كانت إسرائيل حاضرة. سيزداد حضورها الآن في ضوء الوضع السوري الداخلي، الذي أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه في غاية التعقيد تفرض مصالحات داخلية حقيقيّة مع الدروز والسنّة والعلويين، وهي مصالحات ليس ما يشير إلى الفريق المحيط بأحمد الشرع استطاع القيام بها…

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى