حسين زلغوط
خاص موقع “رأي سياسي”:
صحيح أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد رمى في الجلسة التشريعية الأخيرة التي جرى فيها التمديد لقائد الجيش، حجرا كبيرا في المياه السياسية الراكدة من خلال تحديد يوم التاسع من كانون الثاني المقبل موعدا لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية وهو ما فاجأ الكثيرين من النواب، لكن هذه الخطوة لم تسارع الكتل النيابية إلى التعامل معها بشكل واضح وجدي، مما ابقى هذا الاستحقاق على حاله من الغموض لناحية عجز أي فريق سياسي على الجزم في تحديد مصير هذه الجلسة وما إذا كنا سنرى انتخاب رئيس فيها، ام سنكون أمام تمديد جديد لفترة الشغور.
حتى اللحظة لا شيء محسوم بالنسبة لهذا الاستحقاق، وأن جل ما حصل أن الرئيس بري قد وفى بوعده لناحية الدعوة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد وقف إطلاق النار، وهو بذلك دحض الاتهامات التي توجه إليه من قبل بعض القوى السياسية بتعطيل عملية الانتخاب، ووضع هذه الكرة الملتهبة في حضن مطلقي هذه الاتهامات ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وأظهر للدول التي تعمل على خط المساعدة على إنجاز هذا الملف، بأن مكمن الأزمة الرئاسية ليس في الامتناع عن الدعوات لعقد جلسة، بل بعدم وجود توافق حقيقي من شأنه تحقيق الإتفاق على انتخاب رئيس.
على المستوى العملي الاتصالات والمشاورات بين بعض الكتل النيابية انطلقت، غير أنه من المبكر الحديث عن الحكم على نتيجة ما يحصل، سيما وأن خطوط التواصل بين الكتل ذات الوزن الثقيل في المجلس ما تزال باردة، لا بل مقطوعة وهو ما يشي بأنه من المبكر الحديث عن نضوج الطبخة الرئاسة، سيما وأن العامل الخارجي الذي يفترض أن يساهم في تحقيق الإتفاق على انتخاب رئيس ما زال غير متوافر، وأن التحرك الفرنسي الذي سجل من خلال إيفاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المبعوث الخاص له جان إيف لودريان إلى بيروت لم يعط أي إشارات نوعية توحي بأن ما عجزت عنه باريس طيلة فترة الشغور الرئاسية، أصبحت اليوم قادرة على تحقيقه، فلا الواقع السياسي الداخلي بات مساعدا، ولا العوامل الخارجية باتت متوافرة، وهو ما يعني أننا سنكون مع قابل الأيام أمام نوع من التزخيم في هذا الحراك بحيث تطرح أفكار وصيغ رئاسية جديدة من شأنها تبديد المشهد الراهن.
وتقول أوساط نيابية لموقع “رأي سياسي” أن هناك مسافة تفصلنا عن موعد انعقاد جلسة انتخاب رئيس، وهي مهلة كافية في حال صدقت النوايا للتوافق على انتخاب رئيس، وأنه يتوجب على الكتل النيابية التواصل في ما بينها لغربلة الأسماء المطروحة في التداول والإبقاء على إسمين أو ثلاثة للنزول في التاسع من الشهر المقبل وانتخاب واحد من بينهم.
إلا أن هذه الأوساط ترصد برودة لافتة في التعامل مع هذا الملف الذي بات أولوية بعد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وهو ما يبعث على الخوف من إمكانية استمرار البعض من السياسيين في الرهان على التطورات التي تعصف في المنطقة لتحديد الموقف النهائي من انتخاب رئيس، معتبرة أن ما يجري في سوريا من مستجدات خطيرة، قد يحمل البعض على التريث في تحديد موقف بانتظار جلاء المشهد السوري، وهو ما يجعل الرهان على انتخاب رئيس الشهر المقبل غير محسوم.
وترى الأوساط أنه يفترض أن نشاهد بدءا من هذا الإسبوع حركة سياسية نشطة لبلورة مواقف محددة من انتخاب رئيس، وأن يكون هناك بالتوازي تحركا لسفراء الخماسية جماعيا أو على المستوى الفردي، بغية المساعدة على نزع الألغام التي ما تزال مزروعة على طريق قصر بعبدا وتمنع وصول شخصية متوافق عليها لنفض الغبار الذي بات سميكا على كرسي الرئاسة.
تبقى الإشارة هنا إلى أنه عقدت في العامين الماضيين ثلاث عشرة جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، كلها انتهت دون انتخاب رئيس، وكان آخر جلسة في الرابع عشر من حزيران عام 2023 ومن ذلك الوقت تراجع الكلام عن انتخاب رئيس للجمهورية إلى حدّ التوقف الكامل في البحث عنه، لا سيّما بعد أن بدأت المواجهات على جبهة الجنوب بين وإسرائيل تفرض نفسها على المشهد في لبنان برمته.