شؤون دولية

انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي… مجرد سراب أو إجراء قابل للتطبيق؟

طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي تواجه بلاده منذ الخميس حربا تشنها القوات الروسية، تفعيل “إجراء خاص” يتيح تسريع انضمام كييف للاتحاد الأوروبي. مطلب رحب به نواب أوروبيون وأيضا رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، ولكنه يبقى رمزيا لحد الساعة فآلية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي معقدة وطويلة وتتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27. كما أن انضمام أوكرانيا الفوري يعني إقحام التكتل في الحرب الدائرة بموجب معاهدة لشبونة والمادة الخامسة من معاهدة حلف الناتو حول مبدأ الدفاع الجماعي.

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء إنه يريد أن يستفيد من “إجراء خاص” يتيح لبلاده التي تشن عليها روسيا منذ الخميس حربا واسعة، الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. المطلب قوبل بالترحيب من قبل نواب أوروبيين ومن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. لكن يبقى هذا الدعم في الوقت الراهن رمزيا، مع العلم أن عملية الانضمام إلى التكتل طويلة ومقعدة وتتطلب خاصة إجماع الدول الأعضاء.

وصرح زيلينسكي “لا تتخلوا عنا” في رسالة قوية وجهها إلى الاتحاد الأوروبي، خلال خطاب عبر الفيديو تم بثه في مقر البرلمان الأوروبي ببروكسل، جدد فيه طلب بلاده الاستفادة من “إجراء خاص” يسمح لها بالانضمام سريعا للتكتل.

وكان رؤساء ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هي التشيك ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا وإستونيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، دعوا الإثنين في رسالة مفتوحة إلى بدء محادثات انضمام أوكرانيا “بشكل فوري”. هذه الدعوة كانت وجهتها أيضا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مقابلة مع قناة يورونيوز الأحد، قائلة: “إنهم منا، ونحن نريد أن يكونوا في الداخل”.

في المقابل، اعتبر العديد من الدبلوماسيين أن خطوة من هذا القبيل في الوقت الراهن محفوفة بالمخاطر، في ظل النزاع المسلح مع روسيا واشتراط الرئيس فلاديمير بوتين وضع أوكرانيا في حالة “الحياد الكامل” قبل سحب قواته منها. وفي السياق، قال الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الأربعاء في تصريح للصحافة المحلية، إن الإجراء “المستعجل هو ليس انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بل إخراج روسيا من أوكرانيا”.

“إجراء خاص”.. ممكن؟

ورغم كل التحفظات، هل يمكن فعلا أن تشكل الحرب في أوكرانيا عاملا لتسريع مسار انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي؟ في حقيقة الأمر، فإن التكتل لم ينص على أي “إجراء خاص”. وحتى تتمكن أوكرانيا من الانضمام يجب ابتكار مثل هذا الإجراء وتعديل المعاهدات، وهو ما يحتاج إلى عدة سنوات.

وضمن هذا الإطار، قالت باسكال جوانين المديرة العامة لمؤسسة “روبرت شومان” في تصريح لفرانس24: “نرى بوضوح بأن هذا الحل ليس قابلا للتطبيق في المدى القصير”. وأضافت الخبيرة في الشأن الأوروبي: “في الواقع، لا يمكننا أن نسرع المسار بالنسبة لأوكرانيا، كما هو الحال بالنسبة لباقي الدول الأعضاء. ومن خلال التجربة، نعرف أن هذا سيأخذ عشر سنوات”.

من جانبه، اعتبر الصحافي الخبير في الشؤون الأوروبية جان كواتريمير بمقاله في صحيفة ليبيراسيون الفرنسية، بأن ضم أوكرانيا قد يمثل انتهاكا للقانون الأوروبي وأن دخولها في الزمن المنظور إلى النادي المغلق بإحكام للدول السبعة والعشرين يبدو غير واقعي. ويضيف صاحب المقال أن انضمام أوكرانيا الفوري يعني إقحام الاتحاد الأوروبي في حالة حرب طبقا لما تنص عليه مادة من معاهدة لشبونة 2007 تطرقت إلى “شرط المساعدة المتبادلة” كما هو وارد أيضا في المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي حول مبدأ الدفاع الجماعي، والتي تقول إن أي هجوم على دول عضوة يعتبر هجوما على كافة الأعضاء.

“عملية شاقة”

في ظل هذا الوضع، لا يبقى أمام الأوكرانيين سوى أن يسلكوا الطريق الطويل والشاق للمسار المعتاد في طلب العضوية. ويجب في مرحلة أولى، أن يحظى طلب الترشح بموافقة رسمية من المفوضية والبرلمان الأوروبي والدول الأعضاء، قبل أن يتم المصادقة عليه بالإجماع من قبل المجلس الأوروبي (قادة الدول والحكومات). وضمن هذا الشأن، قال رئيس المجلس شارل ميشال الإثنين “لكن هناك آراء مختلفة وحساسيات داخل الاتحاد الأوروبي حيال التوسعة”. وعكس الحماسة التي أبدتها رئيسة المفوضية، ذكَّر ميشال بأن على “أوكرانيا أن ترسل طلبا رسميا تبدي المفوضية الأوروبية رأيا رسميا حوله والمجلس الأوروبي سيقرر”.

فعلى أوكرانيا إذا أن تبدأ مسارا شاقا ومعقدا ينبغي أن تلتزم خلاله باحترام المعايير المتضمنة في 35 فصلا تغطي كافة قطاعات أنشطة الاتحاد الأوروبي. وحول هذه العملية، توضح باسكال جوانين “نطلب من المترشح أن يلبي المعايير والقوانين المعمول بها في الاتحاد في مجال الطاقة، البيئة، الضرائب، والسياسة الاجتماعية…”.

وفي مرحلة أخيرة يتم التوقيع على معاهدة العضوية بين الدول الأعضاء والدولة المترشحة. ويجب على الدولة العضو وكافة باقي الدول الأعضاء أن يصادقوا على هذه المعاهدة.

النزعة الأوروبية لأوكرانيا

تسعى المؤسسات الأوروبية عبر إقرارها حزمة عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا ودعم عسكري لصالح كييف، قبل كل شيء، إلى إعادة التأكيد على تضامنها مع جارتها والنزعة الأوروبية لدى الأوكرانيين. فبعد تصريحات فون دير لاين، صوت النواب الأوروبيون الثلاثاء خلال جلسة استثنائية للبرلمان، بالإجماع لصالح مشروع قرار بفرض عقوبات أكثر شدة على روسيا، وطلبوا من المؤسسات الأوروبية منح أوكرانيا وضع الدولة المرشحة لعضوية التكتل. لكن يبقى أن هذا النص غير ملزم وقيمته رمزية فقط.

وفي هذا الإطار، قال أنطوان غيري المتحدث باسم ستيفان سيجورني رئيس مجموعة “رينوي أوروب” في البرلمان الأوروبي والذي يضم النواب الفرنسيين المحسوبين على تيار الرئيس إيمانويل ماكرون، “يحظى ما يقوم به النواب والقادة الأوروبيون بمتابعة الشعب الأوكراني. في هذه الساعات الخطيرة، يجب على المؤسسات والمنتخبين الأوروبيين أن يكونوا على الأقل بالموعد في هذه اللحظة التاريخية”.

وفي انتظار حصولها على وضع الدولة المرشحة، يمكن أن ترتبط أوكرانيا بشكل وثيق وحيوي بالمؤسسات الأوروبية. وقد وعد شارل ميشال في هذا الإطار، بدعوة الرئيس فولوديمير زيلينسكي للمشاركة بشكل منتظم في قمم رؤساء الدول والحكومات.

وخلال السنوات الأخيرة، تقربت كييف إلى حد كبير من بروكسل عبر اتفاق شراكة تضمن اتفاقا للمبادلات الحرة تم توقيعه في نهاية 2014 من الرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشنكو. ويعتبر اتفاق الشراكة هذا بمثابة “قاعة الانتظار” للدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي.

وسبق أن مارس الكرملين ضغطا على الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش لرفض مثل هذا الاتفاق، ما أشعل شرارة حركة واسعة مؤيدة لأوروبا عرفت بـ”ثورة الميدان”.

وعن هذا الاتفاق واحتجاجات أوكرانيا في 2013، قال أنطوان غيري إن “اتفاق الشراكة كان قد أثار احتجاجات الميدان لكن أيضا الاجتياح الأول للقرم”. وتابع إن “هذا يؤكد أنه بالنسبة إلى روسيا وفلاديمير بوتين، فإن المشكلة ليست حلف الناتو” ولكن طموح أوكرانيا وخطواتها من أجل مستقبل أوروبي.

غريغوار سوفاج – فرانس 24

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى