الموقف من اجتياح اوكرانيا: مبدئية تضعفها المبررات
كتبت روزانا بو منصف في صحيفة “النهار”:
لا يمكن للبنان الا يكون لديه موقف من الحرب الروسية على اوكرانيا. ففي المبادئ القانونية ولا سيما الاوروبية منها الصمت يوازي القبول. البيان الذي اصدرته وزارة الخارجية في لبنان امتلك مقومات ضعفه في مضمونه وليس فقط في الانتقادات او الرفض الذي قوبل به من مكونات السلطة نفسها له او لاتخاذه جانبا في هذا الصراع. فهناك دوما في لبنان من سيقف على هذا الجانب من الصراع الدولي او ذاك او مع موقف السلطة او ضدها. ولكن حتى لو ان هناك توزيعا للأدوار يظهر جانبا من السلطة حاميا للمصالح مع الاميركيين والاوروبيين واخر حريصا على العلاقات الوثيقة مع #روسيا ما يبدو كأن لبنان يمسك العصا من منتصفها فان هذا لا يمنع ان السياسة الخارجية للبنان تبدو مضعضعة ولا وحدة وطنية تجمع بين افرقاء السلطة الواحدة وليس فقط على المستوى الوطني والبيان الرسمي هو ما يعتمد خارجيا. جاء في البيان “انطلاقا من تمسك لبنان بالمبادئ الراسخة والناظمة للشرعية الدولية التي ترعى الأمن والسلم الدوليين، وفي طليعتها مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة اراضيها وأمن حدودها، وإيمانا منه بوجوب حل كل النزاعات التي قد تنشأ بين الدول بالوسائل السلمية، أي عبر التفاوض، ومن خلال آليات الوساطة التي يلحظها القانون الدولي الذي ينبغي أن يبقى الملاذ الأوحد للدول تحت مظلة الأمم المتحدة، ونظرا لما شهده تاريخ لبنان الحديث من اجتياحات عسكرية لأراضيه ألحقت به وبشعبه أفدح الخسائر التي امتد أثرها البالغ لسنوات طويلة على استقراره وازدهاره، فإن لبنان يدين اجتياح الأراضي الأوكرانية ويدعو روسيا إلى وقف العمليات العسكرية فورا وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحل النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين ويسهم في تجنيب شعبي البلدين والقارة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها”.
يظهر فورا ان الصياغة المختصرة لموقف مماثل أفضل لبلد مثل لبنان لأنه كلما كثر الشرح انقلب على صاحبه. فمع ان الجزء التبريري قد يكون موجها الى الداخل من اجل “تبليعه” البيان أكثر منه الى الخارج على الاقل قياسا الى ردود الفعل التي صدرت، فان البيان ديبلوماسي وتتلقفه الدولة المعنية كما هو وليس بناء على اعتبارات الداخل. وغالبا ما تفعل الاعتبارات الداخلية فعلها حتى ازاء مواقف خارجية على غرار ما لفت البعض من استمرار لبنان بعدم الاعتراف بكوسوفو على سبيل المثال لسبب رئيسي يتصل بهشاشة الوحدة الوطنية والخوف من استفادة اي مكون من المكونات اللبنانية الطوائفية من هذا الموقف لتوظيفه في اعلان استقلال منفرد فيكون تشجيعا غير مباشر لها. في حين كان لافتا اجتماع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اخيرا برئيسة جمهورية كوسوفو ما يعني اعترافا لبنانيا رسميا.
برز الضعف في البيان في شكل اساسي في حاجة لبنان الى تبرير الموقف الذي اتخذه بإدانة اجتياح روسيا ل#أوكرانيا باللجوء الى السوابق اللبنانية المتصلة باجتياحه من اسرائيل ولو لم يجر المقارنة على نحو واضح. يقول ديبلوماسيون ان هذه النقطة خاطئة ديبلوماسيا لأنه لا يمكن للبنان مقارنة روسيا باسرائيل . فوجه المقارنة على هذا الصعيد وان كان يصح بالمطلق فانه لا يمكن اعتماده كلغة او مقاربة ديبلوماسية. وهناك من يرحب بقوة بموقف لبنان على خلفية مبدئية تتصل بعدم جواز ان تسمح دولة قوية لنفسها ايا تكن ان تجتاح دولة مجاورة أيا تكن المبررات. كما هناك من يرحب بواقع ان هناك تلاق مع الموقف الاميركي الغربي من روسيا التي تبدو في الموقع السياسي أقرب الى محور خاص بها يدعمها في ذلك إيران الذي أعلن رئيسها تأييده لروسيا او الصين التي امتنعت عن وصف الاجتياح الروسي بانه كذلك وسوريا التي كانت اول من ايدت دعم روسيا كذلك. وينبغي الاقرار في الوقت نفسه بان لبنان الذي يعتمد على الولايات المتحدة راهنا في المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وفي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومع البنك الدولي في موضوع الكهرباء والمساعدات للجيش وسوى ذلك كما على الاوروبيين بالمستوى نفسه من الدعم او اقل قليلا يجد نفسه محرجا عدم اتخاذ الموقف المتصل برفض الاجتياح الروسي لأوكرانيا والا كان هو نفسه ليسقط من دون الدعم الغربي. وهذا واقع لا يمكن حتى لمنتقدي البيان انكاره في الوقت الذي تبذل الاطراف المعنية لحشد دعم دولي كل لمواقفه بحيث لا يمكن عدم اتخاذ ما يتعين على لبنان اتخاذه من مواقف، على رغم عدم اسقاط المصالح والاعتبارات في سنة رئاسية ايضا.
ولكن الثغرات ليس في الموقف الواجب اتخاذه بل في صياغته في شكل اساسي. كان يمكن وفق رأي ديبلوماسيين معنيين كذلك تجنب استخدام كلمة ادانة بكلمة تعطي المعنى نفسه اولا لان لبنان طرق مرارا وتكرارا ابواب روسيا لا سيما في الاعوام الاخيرة ولو من باب الرهانات على استدراج الولايات المتحدة او تعزيز الاوراق الداخلية ومن ثم لان روسيا باتت على الحدود المباشرة مع لبنان في سوريا.
ففي الجانب التقني الديبلوماسي الاممي تحدث البيان على حل النزاعات بالوسائل السلمية. ميثاق الامم المتحدة يتحدث عن السلم والامن الدوليين لا عن الامن والسلم الدوليين. وهو بحسب المادة ٣٣ من الفصل السادس المتعلق بحل النزاعات سلميا يذكر ” انه يجب على أطراف اي نزاع من شأن استمراره ان يعرض حفظ السلم والامن الدولي للخطر ان يلتمسوا حله بادئ ذي بدء عن طريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية او ان يلجأوا الى الوكالات والتنظيمات الاقليمية او غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها “. لا يجوز لبيان ديبلوماسي الا يكون دقيقا وحرفيا بهذا المعنى نظرا للأهمية القصوى للعبارات الديبلوماسية ومعانيها وتداعياتها كذلك. و الانضواء تحت سقف ميثاق الامم المتحدة كاف في حد ذاته.