الصين تُشدّد قبضتها على واردات «إنفيديا»

في خطوة تُبرز تصاعد التوترات التكنولوجية بين بكين والغرب، كثّفت الصين خلال الأيام الأخيرة حملات التفتيش والتحقيق في قطاع الرقائق وأجهزة الاتصالات المتخصصة، مستهدفةً كلاً من شركات التكنولوجيا العالمية ومؤسسات التداول المالي عالية التردد، في إطار سعيها للسيطرة على سلاسل التوريد الحساسة، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجال أشباه الموصلات. وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن السلطات الصينية شدَّدت عمليات التفتيش الجمركي في المواني الرئيسية على شحنات الرقائق الأميركية، وعلى رأسها معالجات الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة «إنفيديا». ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تُسمِّها أن مسؤولي الجمارك أُرسلوا إلى موانٍ استراتيجية لإجراء تفتيش دقيق على الشحنات، خصوصاً تلك التي تحتوي على رقائق متقدمة يُشتبه في مخالفتها لقيود التصدير الأميركية. وأضافت أن عمليات التفتيش بدأت بمعالجات «H20» و«RTX Pro 6000D»، المصمّمة خصيصاً للسوق الصينية للالتزام بالضوابط الأميركية، قبل أن تتوسَّع لتشمل جميع منتجات أشباه الموصلات التي قد تنتهك القيود. ولم تُصدر «إنفيديا» تعليقاً رسمياً، في حين امتنعت الجمارك الصينية عن الرد على استفسارات وكالة «رويترز». ويرى محللون أن هذا التشديد يعكس رغبة بكين في إعادة ضبط تدفقات التكنولوجيا الأجنبية، في وقت تواجه فيه الشركات الصينية صعوبات في الحصول على معالجات متطورة نتيجة القيود الأميركية المتزايدة. وتُعدّ رقائق «إنفيديا» الرائدة عالمياً في الذكاء الاصطناعي نقطة خلاف رئيسية بين واشنطن وبكين. فخلال الأشهر الماضية، أُثيرت تقارير عن تهريب رقائق بقيمة تجاوزت مليار دولار إلى السوق الصينية رغم القيود المفروضة، في مؤشر على الطلب الهائل على هذه الشرائح في السوق المحلية. ورغم تطوير «إنفيديا» نسخة جديدة مخصصة للصين تحت اسم «RTX6000D»، فإن الطلب عليها كان محدوداً، بينما تدرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تخفيف بعض القيود للسماح ببيع رقائق أكثر تطوراً.
• تحقيقات تطال شركات تداول أجنبية
وفي تطور موازٍ، كشفت صحيفة «فيوتشرز ديلي» الحكومية عن أن السلطات الصينية تحقِّق مع 3 شركات تداول مالية كبرى، وهي «تاور ريسيرش كابيتال»، و«جامب تريدينغ»، و«أوبتيفر»، حول مدى التزامها بقواعد استيراد أجهزة الاتصالات المتخصصة المستخدمة في أنشطة التداول عالي التردد. وأوضحت الصحيفة أن فرع الإدارة العامة للجمارك في شنغهاي زار مكاتب الشركات الـ3 منذ يوليو (تموز) الماضي لإجراء تحقيقات ميدانية، تركزت على البنية التحتية التقنية الخاصة بها، بما في ذلك الخوادم والرقائق وبطاقات الشبكات ومفاتيح الاتصال، وهي مكونات أساسية لتحقيق ميزة السرعة في أسواق المال. وأشارت التقارير إلى أن شركة «تاور ريسيرش كابيتال»، ومقرها نيويورك، استخدمت معدات أجنبية لم تحصل على التصاريح اللازمة أو أُعلن عنها بشكل خاطئ، بما في ذلك شرائح «FPGA/ASIC» وخوادم تفتقر إلى شهادة الجودة الإلزامية المعروفة باسم «3C». وطلبت الجمارك من شركتَي «تاور ريسيرش كابيتال» و«جامب تريدينغ» تطبيق تدابير إدارية تقييدية على معدات الاتصالات الخاصة بهما، دون توضيح طبيعة هذه الإجراءات. لكن اللافت أن تقرير «فيوتشرز ديلي» أزيل لاحقاً من موقعها الإلكتروني بعد ساعات من نشره، وهو ما أكّدته الصحيفة نفسها دون تقديم أسباب. كما امتنعت سلطات الجمارك في شنغهاي عن التعليق على التحقيقات.
• سباق تكنولوجي محموم
وتأتي هذه التطورات في وقت تُكثّف فيه الصين جهودها لبناء قاعدة وطنية لصناعة الرقائق وسط تضييق أميركي متواصل على وصولها إلى التقنيات الحساسة. ويُنظر إلى الإجراءات الأخيرة، من تشديد التفتيش على الواردات إلى التحقيق في الشركات الأجنبية، على أنها رسائل مزدوجة للغرب بأنها مستعدة للرد بالمثل، وللداخل الصيني بأنها عازمة على حماية الأمن التكنولوجي الوطني. ورغم تقدم شركات مثل «هواوي» في تطوير معالجات محلية منافسة، يؤكد مهندسون صينيون أن رقائق «إنفيديا» لا تزال تتفوق أداءً وكفاءةً، ما يجعلها ضرورية لمشروعات الذكاء الاصطناعي الكبرى في الصين. وبينما تستعد واشنطن وبكين لجولة جديدة من المفاوضات التجارية، فإن محللين يرون أن ساحة المعركة المقبلة لن تكون في أسواق السلع أو الصادرات، بل في ميادين التكنولوجيا والرقائق والذكاء الاصطناعي؛ حيث تُدرك كلتا القوتين أن السيطرة على هذه المجالات تعني السيطرة على مستقبل الاقتصاد العالمي.