أبرزشؤون لبنانية

الراعي: للعودة إلى اكتشاف معنى العيش المشترك

رأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي لمناسبة ​عيد القديس شربل​ في دير مار مارون – عنايا بحضور رئيس الجمهورية جوزاف عون وعقيلته وحشد من الشخصيات، وقال في عظته: “نصلّي مع رئيس الجمهورية واللبنانية الأولى بشفاعة القديس شربل كي يُسدّد خطاكم ويزيدكم حكمة في قيادة لبنان الذي يمرُّ بظروفٍ صعبة وحضوركم اليوم فعل إيمانٍ بأن لبنان لا يزال قائمًا على ركيزتين هما الله وقدّيسيه”.

أضاف: “تخلّى القديس شربل عن إرادته ليتبنّى إرادة الله وكرّس حبّه لله وتخلّى عن كل خيرات الدنيا ليغتني بالله. القديس شربل أصبح قديسًا لكل الطوائف والأديان ونحن اليوم في حضرة قديس من زمن الله قديس لبناني الجسد وعالمي الروح وساكن في قلوب الشعوب وعيده إعلان متجدّد أن القداسة ممكنة ومن أرض المصلوبة تنبت القداسة”.

وقال الراعي متوجّهًا لرئيس الجمهورية: “زيارتكم اليوم بارقة رجاء لأن لبنان بحاجة إلى قادة على مثال القديس شربل ومار الياس يتكلمون قليلاً ويعملون بصمت في زمنٍ يعيش فيه لبنان ارتجاجاتٍ سياسية، يقول القديس شربل لكل مسؤول: “ارجعوا إلى القرار الواضح والصريح وإلى العمل للخير العام، في ظلّ ما نشهده من حولنا”.

وختم: “نشهد خلافًا حول المادة 112 من قانون الانتخابات التي عُلِّقت في الانتخابات السابقة لعدم صحّتها واستحداثُ 6 دوائر للمغتربين مخالف للمساواة التي هي مبدأ يكفله الدستور كما أن حصر المغتربين بـ6 مقاعد يتعارض مع حقّهم في التواصل مع وطنهم وما نشهده هو عملية إقصاء للمغتربين، الذين يتطلّعون إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة بكل حرية، ولا بدّ من أجل حماية الحرية من إلغاء المادة 112”.

عظة الراعي: وألقى الراعي عظة بعنوان “حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (متى43:13)، جاء فيها: “فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزيف عون، حضرة اللبنانيّة الأولى السيّدة نعمت عون.
جميل عيد القديس شربل بحضوركما، وأنتما تلبّيان دعوة قدس الرئيس العام الأباتي هادي محفوظ، محاطين بسيادة السفير البابوي وبالسادة المطارنة الأجلاء، والآباء المدبّرين ورئيس هذا الدير العامر، وبأصحاب المعالي والسعادة، وسائر المقامات المدنية والعسكرية. إننا نصلّي معكم، فخامة الرئيس، لكي بشفاعة القديس شربل، قديس لبنان، يسدد الله خطاكم، ويزيدكم حكمة وفطنة وصبراً في قيادة لبنان الذي يمرّ بظروف دقيقة وصعبة، تستدعي الرويّة في حلّها. وأنتم تؤمنون بذلك، ومن أجله تعملون وتصلون. فحضوركم اليوم، فخامة الرئيس، على رأس المصلين ليس مجرّد زيارة شخصيّة أو خطوة وطنيّة، بل وبخاصّة فعل إيمان عميق بأن لبنان، رغم كلّ شيء، لا يزال قائماً على ركيزتين: الله وقدّيسيه. 
يتزامن عيد القدّيس شربل مع عيد مار الياس نبيّ الله الغيور، الذي قاده الله في الرسالة التي انتدبه لها. وهو مثال لكلّ قائد غيور متجرّد يعمل في سبيل الشعب والخير العام. نلتمس شفاعته من أجل السلام والإستقرار في بلدنا وسائر البلدان.

أضاف: “آية إنجيل اليوم: “حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (متّى 43:13)، تنطبق تماماً على القدّيس شربل الذي دخل مجد السماء، في 24 كانون الأول 1898، ليلة عيد ميلاد الرب يسوع المسيح على أرضنا. فيا للتبادل العجيب: السماء تهدي الأرض إبن الله انساناً، والأرض تهدي السماء لؤلؤة من أثمن لئالئها إبناً لله بالنعمة، شربل مخلوف!
وكما أن السيّد المسيح، بتجسّده، خبّأ طبيعته الالهية وراء ضعف طبيعته الإنسانية، كذلك شربل مخلوف استترت حياة النعمة فيه وراء طبيعته البشرية المتواضعة والفقيرة. كانت قداسته مستورة في بقاعكفرا ودير سيّدة ميفوق ودير مار مارون عنايا، ودير مار قبريانوس في كفيفان، وفي محبسة القديسين الرسولين بطرس وبولس على تلة عنايا”.

وتابع الراعي: ها نحن اليوم نلتقي في عيد هذا القديس الذائع الصيت، الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ القداسة في لبنان والعالم، حتى أصبح شاغل العالم، قديس كل الأديان والطوائف والبلدان، المتجذّر في أرض لبنان والمحلّق تحت كلّ سماء.
نحن اليوم في حضرة قديس من زمن الله، عاش متجذّراً في التراب، ومحلقاً في الملكوت. رجلٍ صامت صمت الأسرار، ومتكلّم بقوّة المعجزات، رجلٍ لبناني الجسد، وعالمي الروح وسماوي الدعوة. إنه شربل ناسك عنايا، والمقيم في قلوب الشعوب، المتعبّد لله بالصمت، وخادم الجماهير بالشفاعة والشفاء.
عيد مار شربل إعلان متجدّد أن القداسة ممكنة، وأن الرجاء لا يُطفأ، وأن من أرضنا المصلوبة تنبت ورود قداسة تعبق بعطر المسيح”.

وقال: “كان القديس شربل رجل ليتورجيا بامتياز، من القداس إلى القداس، ومن المذبح إلى المحبسة، ومن المناولة إلى الإستشهاد الصامت. فبنذوره الرهبانيّة الثلاثة، الطاعة والعفّة والفقر، قدّم ذاته بكليّتها لله، مستشهداً جاعلاً نفسه تقدمة كاملة مرضيّة لدى الله. فبالطاعة تخلّى عن إرادته ليعتنق إرادة الله. بالعفّة تخلّى عن كلّ ميل وفكر ونظرة ليملأ عينه وقلبه وعقله من نور المسيح، ويكرّس حبّه وكلّ جسده وروحه لله. بالفقر تخلّى عن كلّ خيرات الدنيا ليغتني بالله.
كانت حياته قداساً دائماً، وصلاته تسبيحاً صامتاً، وصمته نشيداً مرفوعاً إلى الله. في كلّ مرة نستحضره، أو نقف أمام صورته، أو نخشع أمام ضريحه، نعلن أن الحياة المسيحية في جوهرها، تقديس للزمن، وتكريس للذات، واتحاد دائم بالمسيح المصلوب والقائم. هذه هي الرسالة المسيحيّة نعيشها تحت كلّ سماء”.

واستكمل: “فخامة الرئيس، إن زيارتكم التقوية اليوم إلى ضريح القديس شربل، هي بارقة رجاء بأن لبنان بحاجة إلى قادة على مثال القديس شربل ومار الياس النبيّ، يتكلمون قليلاً ويعملون كثيرًا. لا يسعون إلى المجد الشخصي، بل إلى العمل بصمت. لبنان بحاجة إلى بصيرة القديس شربل وجرأة مار الياس، وقرارهما المدروس والملتزم.
في زمن يعاني فيه لبنان من اهتزازات سياسية واقتصادية واجتماعية، يطلّ علينا مار شربل كشاهد صادق يقول لكل مسؤول ولكل مواطن: “ارجعوا إلى الله، ارجعوا إلى الأخلاق، ارجعوا إلى لبنان الحقيقي، ارجعوا إلى الشجاعة الداخلية والحكمة والقرار الواضح والصحيح، ارجعوا إلى التجرّد الشخصي من أجل الخير العام.

في خضمّ الأخطار التي تهدّد لبنان في كيانه ووجوده من جرّاء ما يحدث فيه ومن حوله، نشهد اليوم وبكلّ أسف 
خلافًا وانقسامًا بين السياسيين حول المادة 112 من قانون الإنتخابات النيابية الحالي. فقد عُلقت هذه المادّة وبحق في انتخابات 2018 و2022 لعدم صحّتها؛ فاستحداث ست دوائر انتخابية للبنانيين غير المقيمين مخالف لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المقيمين والمنتشرين، وهو مبدأ يضمنه الدستور والنظام الديموقراطي عندنا. إن حصر المنتشرين في ستة مقاعد نيابية يتعارض مع مبدأ ربطهم بوطنهم وأرضهم وأهلهم ومشاركتهم في الحياة السياسية اللبنانيّة. ما نشهده في المادة 112 هو عملية اقصاء يلغي حقّ المنتشرين الطبيعي بالتصويت في كلّ الدوائر الإنتخابية المئة وثماني وعشرين على مساحة الوطن. إن اللبنانيين في الإنتشار يتطلعون إلى المشاركة في الإنتخابات النيابية المقبلة بكلّ حريّة في دوائرهم الإنتخابية حيث مكان قيدهم في لبنان. فلا بدّ من أجل حماية الوحدة الداخليّة من إلغاء المادّة 112 من قانون الإنتخاب الحاليّ”.

وختم الراعي: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء لكي يجعلنا الله، على مثال القدّيس شربل، نقف وقفة ضمير جماعيّة، يعود فيها كلّ اللبنانيّين إلى اكتشاف معنى العيش المشترك، وقيمة القداسة في حياتنا. ونسأله تعالى أن يبارك فخامة رئيس الجمهوريّة وأركان الدولة، ويكون رفيقهم في الطريق الصعب، ونورًا في قراراتهم، وسندًا في مسؤوليّاتهم. فنرفع المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

المصدر: وكالة الأنباء المركزية

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى