الدور الوطنيّ المطلوب أميركيّاً من المصارف اللبنانية

كتب مجد بو مجاهد في “النهار”: كأنّها أشبه بمرحلة جديدة بدأت ما بعد الاجتماع الافتراضي الذي عقد قبل أيام بين الجمعية العمومية لجمعية مصارف لبنان ووكيل وزارة الخزانة الأميركية للإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون. لا يزال عدّة خبراء ماليون ومصرفيون في لبنان منشغلين في قراءة معاني وأبعاد ما رشح عن هذا الاجتماع من توصيات، خصوصاً لجهة الحضّ الأميركي على اضطلاع #المصارف اللبنانية بدور مشارك في التغيير. وثمّة من يرى أن #الولايات المتحدة لطالما اهتمّت بعدم تسرّب أيّ عمليّات لتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب من القطاع المصرفي اللبناني باتجاه النظام المالي الأميركي، عبر استعمال عملة الدولار، بما يستدعي تدخّلها لفرض عقوبات. ويتمثّل العامل البارز راهناً في قراءة مراقبين قانونيين أنّ هذه العقوبات لم تعد تقتصر على التركيز على مكافحة تمويل “حزب الله” فحسب، بل امتدت بشكل أكبر وأوسع في ما يخصّ المبرّرات المتصلة بمكافحة الفساد المرتبط برجال الأعمال والمقاولين.
ويتركّز الدور الذي تحفّز واشنطن القطاع المالي اللبناني على الاضطلاع به، وفق ما استقرأت مصادر مصرفية لبنانية إدارية، بالدعوة الموجهة للمشاركة في التغيير بما فيه المصلحة الوطنية العامة. وإذا كان لا بدّ من توضيح معاني وسبل فعل التغيير الذي تشير الخزانة الأميركية إلى ضرورته، فإن هناك من يضيء على مساهمة رجال الأعمال ومدراء البنوك في الدول الديموقراطية العظمى، وفي مقدّمها أميركا، بالتغيير الايجابي في أوطانهم من خلال تفعيل اجتماعات مع الحكومات واستطلاع آرائهم في تطوير الخطط الوطنية والمساهمة في التطوير والإنماء. ولا تنكر المصادر المصرفية في قراءتها لـ”النهار” أن الحال المسيطر على واقع عمل القطاع الخاص في لبنان يرتبط بالبحث عن إجراء اتفاقيات وصفقات مرتبطة بالمصالح الخاصة بعيداً نوعاً ما عن المصلحة العامة، بما يحتّم ضرورة العمل باتجاه تحقيق نوع من التوازن بين المسؤولية الوطنية والمصلحة الخاصة لرجال الأعمال والمرتبطة بتحصيل الأموال. وتعتبر أن المصارف ملتزمة بكامل الإجراءات لمنع “حزب الله” من الوصول إلى النظام المالي.
وفي محصّلة الأمثلة التي من شأنها ايضاح كيفية المساهمة في التغيير، تضيء المصادر على امكانية مشاركة المصارف في الجانب البيئي مثلاً من خلال الاهتمام بالحفاظ على البيئة وإصلاح شؤون هذا القطاع على سبيل المثال. وفي وقت كانت الأموال المصرفية استعملت لشراء طائرات خاصة بإطفاء الحرائق في لبنان قبل سنوات، إلّا أنّه غاب اهتمام المصرفيين الملحوظ في متابعة عمل هذه الطائرات وممارستها التأثير والضغط الضروريين في سبيل صيانة الطائرات كموقف لا بدّ منه للمساعدة وطنياً في حماية الأحراج الخضراء التي تنحسر مساحتها سنوياً في لبنان. بمعنى أكثر وضوحاً، يعبّر مصرفيون عن خلل كامن في ضعف مراقبة مسار استثمار الأموال التي تمنح أو تقرض بما فيه خدمة المصلحة الوطنية العامة.
وفي ما يخصّ الحرص الاميركي على عنوان مكافحة الفساد والرشوة في لبنان، فإن هناك من يضيء هنا على العقوبات الأخيرة الصادرة بحقّ مقاولين لبنانيين في ظلّ علاقتهم بعدد من السياسيين. ويرى رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية الدكتور بول مرقص في حديث لـ”النهار” أن مطلب وزارة الخزانة الأميركية من المصارف اللبنانية، يعتبر بمثابة “حثّ على تكثيف تحليلاتها المالية من أجل ربط ورصد أيّ عمليات تحويل بين المقاولين الذين رست عليهم مناقصات ومشاريع عامة وبين هؤلاء المتنفّذين السياسيين والأمنيين في لبنان”. ويشير إلى أن “ذلك يأتي اعتقاداً منها أنّ المشاريع العامة في لبنان تمنح بخلفيّة سياسية لمحظيين من طبقة الزبائنية السياسية العائدة لمسؤولين حكوميين. وقد طلبت وزارة الخزانة من المصارف أن تجري عمليات تدقيق جنائيّ على هذه الحسابات، ربطاً بالرشاوى التي قد تكون دفعت من حسابات المقاولين إلى السياسيين”.
ويلفت، ردّاً على سؤال، إلى أن “التركيز الأميركي الأساسي هو على موضوع مكافحة الفساد والرشوة إلى جانب مكافحة تمويل “حزب الله”، مع اعتبار المصارف اللبنانية والنظام المالي بمثابة مساعد، لا بل مرتكز أساسي لمنع حصول عمليات مخالفة للقانون. لدى المصارف والمؤسسات المالية دور أساسيّ في منع الوصول إلى النظام المالي على هذا النحو”، مؤكداً أنه “هناك ما يسمّى عناية واجبة لا بدّ أن تطبّق، لا بل هناك ما اسمه عناية واجبة معزّزة مطلوب تركيزها على العملاء والزبائن مرتفعي المخاطر، ومن بين هؤلاء المتنفذين السياسيين والأمنيين، خصوصاً في علاقاتهم مع المقاولين وكلّ من ينتفع في لبنان من المال العام”. وكيف ترجمة حزم المصارف في مقاومة الضغوط لمنع الإفراج عن الأموال قبل الأوان؟ يجيب مرقص أنها “تعني الولوج إلى النظام المالي الأميركي من خلال المصارف الدولية المراسلة. لذلك يركّز الأميركيون كثيراً على هذه الناحية حتى لا تمتدّ العمليات المشبوهة إلى النظام الأميركي وإلى التعاملات بالدولار الأميركي، لأن ذلك يرتبط باختصاصهم ويهدّد النظام المالي الأميركي. بما يحتّم التشدّد في هذا السياق”.
ويخلص إلى أنه “إضافة إلى العقوبات الأميركية التقليدية المتعلٌّقة بمكافحة تمويل الإرهاب، المستجدّ اليوم أن هذه العقوبات تشمل شخصيات تعمل في مجال الإعمار والمقاولات وتنفيذ المشاريع العامة في لبنان، لأنّ مكمن الفساد يكمن في هدر المال العام من طريق تلزيمات لا تراعي الأصول أو يستفيد منها المحظيون الذين يرتبطون بسياسيين. ومن هنا جاء التحليل المالي للربط بين هؤلاء السياسيين وزبائنهم في القطاع الخاص أو ما يسمّى بالزبائنية السياسية، بما يخصّ الذين ينتفعون من علاقاتهم السياسية للفوز بمناقصات ومشاريع عامّة ويعود بالنفع على هؤلاء السياسيين، مع ترجيح أن تتركّز الحلّة الجديدة من العقوبات على هؤلاء”.