رأي

الخيارات الوطنية الأردنية أمام المشاريع الإقليمية

كتب خلدون ذيب النعيمي في صحيفة الدستور.

يتفق الجميع بمن فيهم اصدقاء تل ابيب أن استمرار حرب القتل والابادة الاسرائيلية في قطاع غزة تقود المنطقة الى اللامجهول الذي بدت تتضح معالمه جيداً مع استمرار هذه الحرب العدوانية، فزيادة التوتر والشحن السلبي المتبادل وفقدان الامل بخيار السلام الذي يعم شعوب هذه المنطقة هو النتيجة الاستراتيجية التي يؤكد عليها رموز التطرف الاسرائيلية بعملهم والتي بلا شك ستعود عليهم هم انفسهم باعترافهم، «فإسرائيل لم تواجه الرعب والخوف والتهديد الذي تعيشه منذ قيامها وهذه الحكومة المحكومة اصلاً بأجندة سموتريش وبن غفير وعتاة التطرف من المستوطنين سيكون على يديها الخراب لهذه الدولة « هذا ما تؤكد عليه المعارضة الاسرائيلية والخبراء الاستراتيجيون وقادة الجيش السابقون في اعلامهم وحواراتهم الاعلامية المرئية في هذا الوقت.

وفي المقابل كان هناك بروز المشروع الايراني الذي استفاد جيداً من حالة التوتر والارباك في المنطقة فكان له حساباته بما يخص تقوية مركزه امام الغرب بما يخص ملفه النووي، فضلاً عن اضطرار الكثير من القادة الغربيين للتواصل معه بعد القطيعة التي تعرض له بسبب ما وصف بموقفه المساند لروسيا ودعمه لها في الحرب في اوكرانيا، ولا يغيب ايضاً مساهمة الاحداث التي المت بالمنطقة منذ بداية هذه الالفية مثل احتلال العراق في نيسان 2003م واندلاع الازمة السورية في اذار 2001م فضلاً عن سيطرة الحوثيين على صنعاء اليمنية في تقوية النفوذ الايراني الاقليمي بحيث تعدى حدوده السياسية في بلاد فارس واصبح رقما ينبغي التفاوض معه اقليمياً ودولياً بما يخص مختلف الملفات الاقليمية.

والاردن في ظل انعدام مشروع عربي موحد واضح المعالم وبحكم موقعه السياسي والجغرافي يجد نفسه وحيداً في مواجهة مشاريع طهران وتل ابيب على حد سواء، فلا تل ابيب بطغمتها الاجرامية تحترم اتفاقاتها والتزاماتها الدولية وماضية بعناد احمق في سلوكياتها التي جلبت الأزمات الاستراتيجية لها ولحلفائها الغربيين، وفي المقابل لم تشفع العقيدة الدينية الواحدة والجوار التاريخي والجغرافي في وقف مشاريع طهران بتصدير ثورتها الى جيرانها العرب، وهي هنا بعلاقاتها مع الاردن يبدو جيداً ان طهران مازالت محكومة بأجندتها المرتبطة بالموقف الرسمي والشعبي الاردني الذي دعم العراق خلال دفاعه عن البوابة الشرقية في ثمانينات القرن الماضي.

الرهان الاردني فيما يجري من مشاريع اسرائيلية وايرانية تهدد سيادته وامنه يجب ان يكون على قيادته وشعبه وجيشه بعيداً عن اي اغراءات او ضغوطات يتعرض لها من أي طرف، هو الرهان الذي اثبت نجاعته في مواجهة عدة قضايا مصيرية سابقة واهمها الازمة السورية التي عصفت بالجارة الشمالية عام 2011م ونتج عنها تهديد امني مباشر مستمر و استقبال اعداد كبيرة من اللاجئين، فكان للأردن رأيه ان يضع موقفه الذي يحفظ سيادته وامنه بعيداً عن أي حسابات خارجية فهو ابقى العلاقات والاتصالات مستمرة مع الحكومة السورية مع تأكيده على ثوابته الدائمة، فالأردن أجل واكبر ان يدخل في أي حسابات اقليمية لتصفية حسابات لأي طرف مهما كان موقعه، والرهان الاردني يتماهى بأدواته هنا بين الدبلوماسية والتأكيد ان جيشه سيكون بالمرصاد لأي مخترق لسيادته فكان التواصل الدبلوماسي مع طهران وايصال الرسائل لإسرائيل حول الثوابت الاردنية تقع ضمن هذا الاطار.

« النار لا تحرق الا من يضع قدمه بها «، فبعيداً عن التنظيرات والنصائح التي تأتي من هنا وهناك اشارت التجارب التي عاشتها المنطقة أن صاحب الشأن هو الأولى بشأنه وهو الاعلم بخياراته الصحيحة، وامن الاردن وسيادته فضلاً عن مواقفه الرسمية ليست في وارد التنبؤ بثمنه من قبل هذا او ذاك والتجارب اكدت ان الاردن القوي برهانه الحقيقي هو القادر على حماية مصالحه وهو القادر ايضاً على دعم الاشقاء في فلسطين في وجه أعتى اجرام حاقد مستمر في التاريخ الحديث «فمقصر بيته لا يستطيع اعمار بيت غيره» كما يقول المثل الشعبي الأردني.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى