رأي

الجيش يدعو إلى «التعبئة العامة»: هدنة «الدعم» لا تعنينا

كتب مي علي, في الأخبار:

يرفض الجيش السوداني هدنة «الدعم السريع» معلناً التعبئة العامة، مؤكداً المضي في الحسم الميداني ضدّ الميليشيا المدعومة إماراتياً.

مع إعلان قوات «الدعم السريع» موافقتها على هدنة إنسانية، وشروعها في مناقشة وقف العداوات، وأيضاً مبادئ المسار السياسي المطروح من قِبَل «اللجنة الرباعية»، استفاق سكان مدينتَي أم درمان وعطبرة على أصوات سرب من المُسيّرات، تمكّنت المضادات الأرضية التابعة للجيش السوداني من إسقاط معظمه. وفيما لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة، موافقة أو اعتراضاً، على طرح «الدعم»، أكّد رئيس «مجلس السيادة»، القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، عزمه القضاء على «الدعم» وتأمين حدود الدولة. وقال أمام «القيادة الجوّالة» التابعة للجيش: «سنمضي بقوّة وعزيمة لتحقيق النصر قريباً على الميليشيا المتمرّدة».

وفي السياق نفسه، قرّر مجلس الأمن والدفاع استنفار الشعب لمساندة القوات المسلحة للقضاء على «الميليشيا المتمرّدة» في إطار التعبئة العامة «من أجل إنهاء التمرّد». وجاء الإعلان عن الاستنفار العام ليكون بمثابة ردّ ضمني على الوسطاء، برفض الحلّ التفاوضي الذي ترعاه «اللجنة الرباعية». ومن جهته، علّق البيت الأبيض، على لسان الناطقة باسمه، كارولين ليفيت، على تلك التطورات بالقول، إن الولايات المتحدة منخرطة في الجهود الرامية إلى تحقيق حلّ سلمي للنزاع في السودان، حيث «الواقع على الأرض مُعقّد للغاية في الوقت الراهن».

ويشكّك مراقبون في دوافع «الدعم السريع» من وراء الموافقة على هدنة، وإن كانت – وفق ما هو مُعلن – لأغراض إنسانية، خصوصاً أن «حميدتي» كان رفض، في تموز الماضي، مقترح هدنة إنسانية في الفاشر، حينما كان سكان المدينة يعيشون على علف الحيوانات، نتيجة ضرب قواته حصاراً عليهم. ويرى هؤلاء أن الهدف من العرض، ما هو إلّا محاولة للتغطية على الانتهاكات والجرائم التي مارسها منسوبو «الدعم» في حقّ المدنيين في الفاشر. وكان وجد الداعمون الخارجيون لهذه القوات أنفسهم أمام مأزق أخلاقي وسياسي لا يمكن مواراته خلف تغطية إعلامية محايدة، خصوصاً بعدما انتشرت صور المجازر وعمليات القتل على مواقع التواصل الاجتماعي، على إثر حملة قادها ناشطون سودانيون، بهدف كشْف ممارسات «الدعم» والدول الداعمة والمموّلة لها، وفي مقدّمها الإمارات. وأمام تلك المشاهد، لم يكن أمام أبو ظبي إلّا أن أعلنت «إدانتها الشديدة واستنكارها للانتهاكات الإنسانية والجرائم المروّعة التي ارتُكبت في حقّ المدنيين في مدينة الفاشر»، بحسب بيان للخارجية الإماراتية، يبدو أنه هو الآخر جاء نتيجة ضغوط خارجية، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا.

الغرض من الهدنة «صرف أنظار العالم عمَّا حدث في الفاشر»

ووفقاً للمحلّل السياسي، عادل عبد الرحيم، فإن الغرض من الهدنة «صرف أنظار العالم عمَّا حدث في الفاشر، وفي نفس الوقت تخفيف الضغط عليهم من أجل إعادة ترتيب صفوفهم من دون تشويش من الجيش». وقال عبد الرحيم، في حديث إلى «الأخبار»، إن «توقيت الإعلان عن الهدنة من قِبَل الدعم السريع، جاء في موازاة تصعيد ميداني واسع من قِبلها، وأيضاً بالتزامن مع ضغوط دولية متزايدة وتحذيرات من مجازر وانتهاكات جديدة على غرار تلك التي وقعت في الفاشر».

بدوره، أفاد مصدر مطّلع، «الأخبار»، بأن موافقة «الدعم» لا تعني دخول الهدنة حيز التنفيذ، مشيراً إلى أن الحكومة السودانية لا تثق بهذه الجماعة، وأنه لا يعتقد أن الجيش سيستجيب لعرضها. وقال: «سبق أن استفادت الدعم من الهدنة أثناء مفاوضات جدة التي كانت ستشكّل فرصة لإنهاء الحرب، لولا أن الجماعة استغلّتها لأغراض عسكرية مكثّفة ساعدتها في بسط سيطرتها على الخرطوم وأجزاء كبيرة من السودان». وأشار المصدر إلى أن «الدعم السريع» باتت في حالة من الضعف بعد الحملات التي انتظمت في العواصم العالمية ضدّ ما حدث في الفاشر؛ لكن، يبدو أنها «تستعدّ للتقدّم في محاور جديدة في ولايات جنوب كردفان وبعض المناطق في شمال دارفور، حيث استهدفت المُسيّرات التابعة لها، مستشفيات في مناطق كورنوي والدلنج، مخلّفةً عشرات القتلى والجرحى». ونتيجة ارتفاع حدّة الهجمات بالطائرات من دون طيار، وفرار السكان إلى تشاد، أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود»، سحب فرقها العاملة من منطقة كورنوي. كذلك، تُسجّل عمليات قتل عشوائي تستهدف سكان مدينة بارا شمال كردفان، التي استولت عليها «الدعم» قبل دخولها الفاشر، إذ، وبحسب روايات شهود، فإن عشرات الجثث ملقاة في الشوارع وداخل المنازل، حيث عملت تلك القوات على تصفية كل مَن كان في المدينة، بحجّة مساندته الجيش، فيما فرّ مَن بقي منهم على قيد الحياة، إلى القرى والمدن القريبة، وخاصّة مدينة الأبيض، حاضرة الولاية، التي ظلّت مستشفياتها تستقبل الجرحى والحالات الحرجة التي تصلها من بارا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى