«البريكس» وتحدي الهيمنة المالية الغربية… ملامح نظام عالمي جديد

كتبت د. دانة العنزي في صحيفة الراي.
تشهد الساحة الدولية اليوم تحولاً متسارعاً في بنية النظام المالي العالمي، تقوده مجموعة «البريكس» التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. هذا التكتل الذي توسع أخيراً ليشمل دولاً جديدة، يعكس رغبة متنامية لدى القوى الصاعدة في التحرر من الهيمنة الغربية وإعادة توزيع موازين القوة الاقتصادية.
تسعى دول البريكس إلى بناء نظام مالي أكثر عدالة واستقلالاً، بعدما شعرت بأن المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي لا تعكس وزنها الحقيقي في الاقتصاد العالمي، بل تبقى خاضعة للتأثير الأميركي والغربي. ومع استخدام الدولار كسلاح سياسي في العقوبات وتجميد الأصول، أصبحت الحاجة ملحة لإنشاء بدائل تمكن الدول من إدارة مواردها بمعزل عن الضغوط السياسية.
في هذا الإطار، أنشأت المجموعة بنك التنمية الجديد الذي يمول مشاريع البنية التحتية من دون شروط تقشفية صارمة، وأطلقت آلية احتياطي الطوارئ المشتركة لمواجهة أزمات السيولة بعيداً عن صندوق النقد الدولي. كما تعمل على تطوير أنظمة دفع بالعملات المحلية وإنشاء منصات رقمية مالية تقلل الاعتماد على الدولار ونظام “سويفت” الغربي.
لكن الطريق نحو بناء نظام بديل لا يخلو من التحديات. فالتباين في أولويات الدول الأعضاء يحد أحياناً من وحدة الموقف فتتبنى روسيا والصين نهجاً معيناً مع الغرب، تميل البرازيل والهند إلى الحذر والتوازن كما أن إنشاء نظام مالي موازٍ يحتاج إلى بنية تقنية وتنظيمية متقدمة، وإلى ثقة متبادلة بين دول تختلف في أنظمتها الاقتصادية والسياسية.
رغم ذلك، نجحت البريكس في فتح نقاش عالمي حول مستقبل النظام المالي الليبرالي، وأصبحت تمثل رمزاً لتحول القوى الاقتصادية نحو التعددية. فهي لا تسعى إلى إسقاط النظام الغربي بقدر ما تسعى إلى إعادة توازنه. ومع استمرار توسعها ونمو أدواتها المالية، يبدو أننا أمام ملامح نظام دولي جديد يقوم على شراكات أكثر توازناً وعدالة.
إن ما تقوم به البريكس اليوم ليس تمرداً عابراً، بل بداية إعادة صياغة للنظام الاقتصادي العالمي، حيث لم يعد الغرب يحتكر وحده مفاتيح التمويل والتأثير. فالعالم يتغير، ومعه تتغيّر قواعد اللعبة المالية التي لطالما شكلت أساس النفوذ السياسي الدولي.