البرهان في تركيا وشبح الحرب على تخوم الجزيرة السودانية.
توجه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان صباح اليوم الأربعاء إلى العاصمة التركية أنقرة، حيث من المقرر أن يعقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتناول مسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
ويرافق رئيس المجلس خلال الزيارة وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق، ومدير جهاز الاستخبارات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس سليمان.
أمنياً مع انحسار وتيرة حدة الاشتباكات والمعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع” بشكل ملحوظ على صعيد جبهات القتال في شمال وجنوب دارفور ولاية الخرطوم، باستثناء حالات من القصف المتبادل المتقطع والغارات الجوية للجيش على ارتكازات ومواقع “الدعم السريع” في العاصمة القومية، تواترت الأنباء حول احتمالات تسرب المعارك إلى ولاية الجزيرة وسط السودان بتوغل تجمعات لقوات “الدعم السريع” نحو تخوم محلية الكاملين شمال الولاية.
قصف وتمشيط
وكشف مصدر عسكري عن اشتباكات وقعت داخل منطقة أم درمان القديمة أسفرت عن تدمير مخزن للسلاح والذخيرة بالملازمين وسط المدينة، لافتاً إلى استمرار عمليات التمشيط البري التي تقوم بها هيئة العمليات بجهاز أمن الاستخبارات وقوات العمل الخاص في مناطق عدة وأحياء أخرى في الخرطوم بحري.
وأعلن المصدر أن الطيران الحربي والمسير استهدف تجمعات قوات “الدعم السريع” في منطقتي الباقير وجياد جنوب الخرطوم، كما تمكن من تدمير سيارات قتالية تابعة لـ”الدعم السريع” عند أعلى جسر شمبات الرابط بين الخرطوم بحري وأم درمان.
من جانبها، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة، مواصلة قوات الجيش نشاطها في منطقة الخرطوم، حيث تمكنت من تدمير راجمة 107 ملم ومدفع (م / ط) رباعي لجماعات مسلحة في بحري، إلى جانب عملية ناجحة في منطقة الحاج يوسف، وأعلنت قوة من سلاح المدرعات بعد تمشيطها سوق منطقة الشجرة “مقتل خمسة متمردين واستلام مجموعة من الأسلحة الصغيرة ودراجة بخارية (ركشة)”.
وأوضح الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، في تقريره اليومي حول موقف العمليات، أن “الجيش وجه ضربات عدة للميليشيات المتمردة في منطقة الباقير جنوب الخرطوم، وكبدها خسائر كبيرة في الأفراد والعربات القتالية والمعدات”، مشيراً إلى أن” قوة مكلفة تأمين وتمشيط منطقة أم روابه في شمال كردفان، دمرت خمس عربات قتالية تتبع للمتمردين إلى جانب عدد من القتلى والجرحى”.
وأضاف التقرير “ما زالت الميليشيات المتمردة مستمرة في انتهاكاتها ضد المدنيين العزل، حيث قامت مجموعة منهم على متن دراجات نارية بإطلاق النار على المواطنين في كوبري الدويحي بمنطقة عد بابكر، أدى إلى مقتل شخصين من أهالي المنطقة، كما أُجبرت 40 أسرة من حي الموردة في أم درمان على إخلاء منازلهم قسراً، بعد محاولة إجبارهم على تجنيد أبنائهم في صفوفها مقابل تركها وشأنها”.
تعزيزات في الجزيرة
وسط تواتر الأنباء عن توغل مزيد من قوات “الدعم السريع” في اتجاه ولاية الجزيرة وسط السودان، أكد العميد أمن عماد الدين سيد أحمد مدير جهاز الاستخبارات العامة بالولاية، أن لجنة أمن الولاية في حالة انعقاد دائم تراقب الوضع من كثب، ودفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى منطقة شمال الجزيرة إلى جانب تعزير الارتكازات هناك.
أوضح سيد أحمد لدى لقائه وفداً من القيادات الأهلية في الولاية، بحضور مصطفى دفع الله، أمين عام الحكومة، أن الولاية وضعت خطة أمنية محكمة لتأمين جميع مداخلها، داعياً المواطنين إلى “عدم الالتفات للإشاعات التي تبثها الآلة الإعلامية للمتمردين التي تستهدف إحداث الهلع والبلبلة وسطهم”.
أشاد مدير الاستخبارات الولائي، بالوقفة الصلبة للإدارات الأهلية مع القوات المسلحة ودعم المعسكرات، وطمأن المواطنين باستقرار الأوضاع الأمنية في معظم أنحاء الولاية.
من جانبه أكد أمين عام حكومة الجزيرة، استعداد حكومة الولاية لتقديم الدعم وإسناد معسكرات المستنفرين، فيما أعلن وفد الإدارة الأهلية جاهزيته لتقديم أكثر من 120 ألف متطوع للدفاع عن الولاية.
وكان شهود عيان من قرى شمال الجزيرة، ذكروا أن عدداً مقدراً من جنود وعربات قوات “الدعم السريع” المقاتلة، وصلت إلى قرية التكينة وتمركزت داخل مزرعة (قرطبة) في المنطقة بين بلدتي (ألتي) و(أم مغد) بمحلية الكاملين شمال ولاية الجزيرة.
نزوح داخلي
إثر تزايد النزوح الداخلي من أحياء أم بدة وأم درمان القديمة باتجاه محلية كرري، تفقد والي ولاية الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة، برفقة المدير التنفيذي، عدداً من مراكز الإيواء في المحلية التي تعد آمنة نسبياً وأكثر استقراراً في ولاية الخرطوم.
أشاد الوالي بجهود التكافل والخيرين من أبناء المنطقة والمشرفين على المراكز، بوقوفهم إلى جانب الأسر القادمة من مناطق الاشتباكات، ووجه بتوفير الخدمات الضرورية من علاج ومياه وكهرباء ووضع قاعدة بيانات للأوراق الثبوتية في مراكز الإيواء.
في وسط أم درمان، اشتكت لجان مقاومة حي العباسية وسط أم درمان من عودة الجماعات المسلحة بكثافة بعد انسحابها وتمركزها في شارعي العرضة والأربعين وانتشارها داخل الأحياء المجاورة واحتلالها بيوت المواطنين مستغلة انخفاض حدة الاشتباكات هذه الأيام.
وكشفت اللجان في بيان لها، أن تلك الجماعات قامت أمس الثلاثاء 12 سبتمبر (أيلول)، بحي العباسية وسط، بالاعتداء على سكان الحي بمن فيهم الشيوخ الكبار بالنهب والضرب والإهانة بكل قسوة وبلا رحمة، وأجبرت السكان على ترك منازلهم ونهبتها كلياً، ومازالت تفرض حصاراً على الحي تسبب في انعدام المواد الغذائية والأدوية وانقطاع المياه والكهرباء.
دارفور تنتظر العون
في جنوب دارفور، تشهد مدينة نيالا عاصمة الولاية هدوءاً نسبياً، بدأت معه عودة حركة المواطنين في بعض الأحياء التي لم تتأثر كثيراً، بخاصة سوق موقف الجنينة، الوحيدة التي عادت تعمل بصورة شبه طبيعية.
ولفت صالح عبدالرحمن سليمان، مفوض العون الإنساني بالولاية، إلى أن وصول قوافل المعونات الإنسانية التي من المفترض تحركها من مدينة الفاشر، سيؤدي إلى انفراج كبير في الوضع الإنساني، ما لم تتجدد الاشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع” مرة أخرى.
على الصعيد ذاته، أعلن مجلس حكومة دارفور تدهور الوضع الصحي والإنساني في الإقليم واتساع حجم الفجوة الغذائية والدوائية والإيوائية مع ضعف المساعدات المقدمة من المانحين ومنظمات المجتمع الدولي، وطرح رؤية شاملة لحل المعضلة لعرضها على الحكومة المركزية واللجنة المتخصصة.
وناشد مجلس حكومة الإقليم في اجتماعه ببورتسودان برئاسة محمد عيسى عليو نائب الحاكم، دول العالم والمنظمات الإنسانية الالتفات للسودان وإقليم دارفور بخاصة، للأضرار التي حدثت في أربع من ولاياته الخمس، وأفرزت موجات من اللجوء والنزوح في كل جغرافية الإقليم.
تحديات الطرق
كذلك شدد المجلس على أهمية استمرار القوافل التي تحرسها القوة المشتركة المكونة من حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق السلام، بوصفها شريان الحياة لكل غرب السودان في كردفان ودارفور، بما تحمله من مؤن غذائية ومواد إيوائية ووقود وأدوية، معتبراً أن أي اعتداء على القوافل بمثابة اعتداء على ملايين الأشخاص في تلك الولايات والمناطق، ويهدد وضع الحياد الذي التزمته الحركات.
بدوره، أكد عبدالله خميس، مفوض العون الإنساني المكلف، جنوب كردفان، أن النزوح الداخلي في الولاية، بما فيه أحداث كادوقلي الأخيرة بلغ أكثر من 23 ألفاً و900 شخص في تسع محليات، بخلاف قدامى النازحين منذ عام 2011.
وأشار المفوض إلى إشكالات وتحديات عدة تجابه العمل الإنساني في الولاية، التي تعاني بشدة من قفل طريق الأبيض- الدلنج من قبل قوات “الدعم السريع”، وإغلاق طريق الدلنج – كادقلي بواسطة الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، مبيناً أن المفوضية تمكنت بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي من توصيل 267 طناً من المواد الغذائية لتوزع على المحتاجين في محليتي القوز والدلنج.
وكانت مدينة كادوقلي عاصمة جنوب كردفان، قد تعرضت مع بعض المحليات المجاورة لها لهجمات عدة من قبل الحركة الشعبية شمال الحلو على رغم اتفاق وقف العدائيات المبرم مع الحكومة.
معركة الأمم المتحدة
دولياً، تستعد حكومة السودان لمعركة من نوع آخر مع منظمة الأمم المتحدة، إذ لوحت بمقاطعة الجلسة وهددت بإعادة النظر في التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة، حال خاطب فولكر بيرتس، جلسة مجلس الأمن المقررة لسماع إحاطته حول تقرير الأمين العام عن الحالة في السودان وأنشطة البعثة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة اليوم الأربعاء 13 سبتمبر، في العاشرة صباحاً بتوقيت نيويورك (الرابعة مساءً بتوقيت الخرطوم).
وكان مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، بعث في الثامن من سبتمبر الجاري برسالة إلى مجلس الأمن تضمنت تحفظات الخرطوم على الإحاطة المرتقبة لفولكر بيرتس أمام مجلس الأمن الدولي.
وفي تعليقه على خطوة الحكومة السودانية، وصفها السفير عبد المحمود عبدالحليم، مندوب السودان الدائم السابق بالأمم المتحدة، أنها بمثابة تنبيه جاء في محله تماماً بضرورة مراعاة طلب السودان إبعاد فولكر بيرتس من قيادة البعثة، باعتبارها كانت أحد مسببات الحرب، بالتالي عدم جواز تقديمه التقرير كرئيس للبعثة، وأن تجاهل طلب السودان قد يترتب عليه إنهاء تكليف البعثة.
ويرى مندوب السودان السابق بالأمم المتحدة، ضرورة أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بطي صفحة فولكر بيرتس حتى لا يثار الأمر مرة أخرى في اللقاء المرتقب مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، خلال مشاركته المتوقعة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأسبوع الثالث من سبتمبر الجاري.
وكشف المندوب السابق، أن كثيراً من الدبلوماسيين الغربيين يقرون بفشل فولكر في كسب ثقة السودانيين، لكنهم يتظاهرون بدعمه “كما همس له أحدهم” وفق قوله، مجاملة لألمانيا لموافقتها تزويد أوكرانيا بدبابات “ليوبارد 2” المتطورة.
أوضح عبد المحمود، أنه كان على الأمين العام للأمم المتحدة البحث عن خيارات أخرى وإخطار مجلس الأمن، مع علمه بأن الأمور بين فولكر وحكومة السودان وصلت إلى نقطة اللا عودة، الأمر الذي اتضح حين قدم تقرير البعثة الأخير في شأن السودان في جلسة مجلس الأمن، شخص آخر.