الارتباك السنّيّ الكبير: طوفان ترشيحات ومعارك وهميّة
كتب سامر زريق في اساس ميديا:
قبيل إقفال باب الترشّح للانتخابات النيابية، شهِدت بورصة الترشيحات “نموّاً” كبيراً فاق التوقّعات بعدما كانت تعاني حالة “انكماش” مربكة، وأقفل عدّادها على 1,045 مرشّحاً، وهو رقم قياسي، مع أنّ تأجيل الانتخابات لا يزال احتمالاً حاضراً بقوّة في ظلّ المناورات السياسية التي يقوم بها البعض للإطاحة بها.
هذا الرقم على كِبَرِهِ لا يدلّ على حماوة السباق الانتخابي بقدْر ما هو حمّال أوجُه. فخلف هذا الرقم تزدحم جملة مؤشّرات متناقضة: طوفان ترشيحات في بعض المناطق يقابله جفاف في بعضها الآخر. دوائر حُسمت فيها المعركة قبل أنْ تبدأ، وفي أخرى المعركة حامية الوطيس، وفي ثالثة لم يُعرَف بعد مَن هم المتنافسون، فالأسماء نفسها يتمّ التداول بها على لوائح المتخاصمين.
مع ذلك، يؤكّد لنا التوغّل في عمق هذه الترشيحات، وكيفيّة توزّعها مناطقياً أو طائفياً ومذهبياً، أنّ حركة الترشيحات هي انعكاس صادق للواقع السياسي السائد بتوازناته المختلّة، وأكثر ما يُلفت الأنظار هو حالة الارتباك على الساحة السنّيّة.
احتلّت بيروت المركز الأوّل على صعيد الترشيحات السنّيّة بـ69 مرشّحاً لستّة مقاعد، تليها طرابلس بـ62 مرشّحاً لخمسة مقاعد، ثمّ عكّار بـ43 مرشّحاً لثلاثة مقاعد
طوفان ترشيحات سنّيّ
من أصل 1,043 مرشّحاً استحوذ السُنّة على الثلث لوحدهم، وهم الذين يتنافسون على 27 مقعداً سنّيّاً موزّعة على 9 دوائر. وقد تمّ تسجيل 311 ترشيحاً سنّيّاً، أي ما نسبته 11.5 مرشّحاً لكلّ مقعد سنّيّ، وهو الرقم الأعلى بين كلّ الطوائف والمذاهب، في حين بلغ المعدّل العام 8.2 مرشّحين لكلّ مقعد.
احتلّت بيروت المركز الأوّل على صعيد الترشيحات السنّيّة بـ69 مرشّحاً لستّة مقاعد، تليها طرابلس بـ62 مرشّحاً لخمسة مقاعد، ثمّ عكّار بـ43 مرشّحاً لثلاثة مقاعد. هذا من ناحية العدد، أمّا من ناحية معدّل عدد المرشّحين لكلّ مقعد، فتأتي زحلة أوّلاً بـ22 مرشّحاً لمقعد وحيد، ثمّ المنية بـ16 مرشّحاً لمقعد وحيد، وحلّت عكّار ثالثةً بـ14.3 مرشّحاً لكلّ مقعد.
في هذا السياق نفتح قوسين للتساؤل عن كيفيّة حصول هذا الطوفان من الترشيحات في ظلّ الأزمة الاقتصادية والماليّة الشديدة الوطأة، وخاصّة في المناطق التي تعاني فقراً مُدقعاً، وهو ما يشي بوجود متموّلين خلف هذه الترشيحات، وبالتأكيد لهؤلاء أهدافهم الخاصة، فلا أحد يدفع مالاً ويستثمر انتخابيّاً لوجه الله الكريم.
السُنّة يتفوّقون على الشيعة
اللافت أنّ عدد المرشّحين السُنّة بلغ أكثر من ضِعف عدد المرشّحين الشيعة، لنفس عدد المقاعد، وهو 27 مقعداً لكلّ طائفة، بنسبة 11.5 مرشّحاً لكلّ مقعد سنّيّ، مقابل 5.5 مرشّحين لكلّ مقعد شيعي. وهذا الأمر يشكّل مؤشّراً واضحاً إلى أنّ المعركة الانتخابية شبه محسومة عند الشيعة لمصلحة الثنائي.
لكانت النسبة أقلّ من ذلك بكثير لولا ترشّح عدد من الشخصيّات الشيعية بهدف إثبات الحضور لا أكثر، أضف إليه ضرورة تطعيم بعض اللوائح بمرشّحين شيعة لتجاوز شرط الـ40% الذي يفرضه القانون الانتخابي، وترشّح البعض ممّن يوالون حزب الله ضدّ لوائحه بهدف التمريك على مرشّحي حركة أمل بالدرجة الأولى، ومحاولة تسجيل بعض النقاط على حسابهم.
دليل عافية أمْ فوضى؟
الترشيحات السنّيّة ليست كلّها على قدم المساواة، فثمّة مَن ترشّح من أجل المنافسة الفعليّة على أحد المقاعد، وهناك مَن ترشّح بهدف الاستعراض، أو للتسويق لنفسه، أو ليعود فينسحب لاحقاً.
لكنْ بمعزل عن هذه العوامل، هناك منْ يرى في كثْرة الترشيحات دليل عافية، وانعكاساً لحيويّة الساحة السنّيّة، وقدرتها على ضخّ دماء سياسية جديدة، ولا سيّما بعد انتفاضة “17 تشرين”. بيد أنّ ذلك يُجافي الواقع، فعلى الرغم من كثرة المرشّحين إلّا أنّهم كغُثاء السيل، فلا وجود لأيّ مشروع سياسي سنّيّ حقيقي، إنّما هناك أفكار ورؤى يتّسم معظمها بالرومانسية والشطط والنرجسية الفاقعة.
حتّى المرشّحون السُنّة المصنّفون ضمن خانة حلفاء حزب الله يعانون ارتباكاً أيضاً، فهؤلاء ليسوا صفّاً واحداً متماسكاً. إذ هناك الحلفاء الذين يتمتّعون بحيثيّة شعبية في مناطقهم، وهنالك التابعون للحزب بشكل كامل، وبين الاثنين هوّة تُصعّب من اجتماعهما في لوائح موحّدة، كما هو الحال في دائرة الشمال الثانية.
الشمال مثالاً للارتباك السنّيّ
المثال الأبرز على حالة الارتباك السنّيّ هو في الشمال حيث الثقل السنّيّ. فبالمقارنة بين دائرتيْ الشمال الثانية، التي تضمّ طرابلس والضنّية والمنية، والشمال الثالثة التي يُطلق عليها اسم “دائرة الرؤساء”، وتضمّ البترون والكورة وزغرتا وبشرّي، نجد أنّ الهوّة بينهما كبيرة جدّاً.
على الرغم من حدّة المعركة الانتخابية وقسوتها في الشمال الثالثة، إلّا أنّ عدد المرشّحين بلغ 67، يتنافسون على 10 مقاعد، بمعدّل 6.7 مرشّحين لكلّ مقعد. في حين أنّ طوفان الترشيحات في الشمال الثانية أفضى الى 141 مرشّحاً يتنافسون على 11 مقعداً، بمعدّل 12.8 مرشّحاً لكلّ مقعد، أي ما يزيد على ضِعْف معدّل الشمال الثالثة، حيث الوضوح كبير في الرؤية والتحالفات، بعكس الشمال الثانية تماماً حيث يسود الارتباك والفوضى اللذان يزيد من حدّتهما قانون الخناجر المسمومة والغدر الأخويّ الانتخابي.
التسليم بهيمنة حزب الله
في مقابل انفجار الترشيحات السنّيّة في دوائر الثقل السنّيّ، خاصة لدى القوى التغييرية، نلْحظ غياباً تامّاً للترشيحات في الجنوب الثالثة، دائرة مرجعيون – حاصبيا – بنت جبيل – النبطية، حيث سلّم الجميع بمشيئة حزب الله هناك، إنْ كان من جانب قوى التغيير، أو من القوى السياسية التقليدية المناوئة للحزب إيّاه.
المقعد السنّيّ في الدائرة يتيم فعلاً، إذ بالكاد ترشّح ثلاثة أشخاص في مواجهة النائب الثابت قاسم هاشم، الذي سبق أنْ أكّد في تصريح تلفزيوني خلط فيه بين المزاح والجدّ أنّ المقعد في جيبه.