افتتاحية اليوم: فرنسا على خطّ الحدود

في زيارتها الى لبنان منذ اسبوعين، أعادت الموفدة الرئاسية الفرنسية إلى لبنان، آن كلير لوجاندر، تحريك ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا، من خلال طرح استعداد باريس لرعاية حوار مباشر بين الطرفين تحت مظلتها. وحمل العرض الفرنسي، وفق مصادر سياسية متابعة، مسعى لإخراج العلاقات اللبنانية – السورية من حالة الجمود المزمن، ونقلها إلى مساحة تفاوضية منظمة قد تفتح الباب أمام معالجة ملفات مترابطة تتعلق بالنازحين والحدود والأمن.
في جوهر المبادرة، تحاول فرنسا إدخال عنصر “الضبط الحدودي” كجزء من سلة الحلول، وذلك من خلال تشجيع لبنان على القبول بدعم أمني خارجي، ترى باريس أنه ضروري لمساعدة الجيش اللبناني في مراقبة حدوده الجنوبية وكذلك الحدود الوعرة مع سوريا. فالمقاربة الفرنسية تنطلق من قناعة بأن الترسيم لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن قدرة الدولة اللبنانية على فرض سيادتها الفعلية على مناطق التداخل الحدودي، وأن الدعم التقني واللوجستي الدولي قد يشكل عاملًا مساعدًا لا يمكن تجاهله.
لكن المسعى الفرنسي، رغم واقعيته التقنية، يحمل أبعادا سياسية لا تخفى. فترسيم الحدود مع سوريا ليس مجرد عملية هندسية، بل يرتبط بنقاط خلاف تاريخية تتصل بمزارع شبعا، وبانتشار النازحين السوريين، وبحسابات إقليمية حساسة فان أي خرق في هذا الملف سيحتاج إلى توافق داخلي لبناني من جهة، وإلى استعداد سوري لفتح باب التفاوض من جهة أخرى، وهو ما لا يبدو متاحا بسهولة في ظل التعقيدات الراهنة.
مع ذلك، تعوّل باريس على أن الواقع الأمني المتدهور والضغوط الاقتصادية الهائلة قد يدفعان الأطراف اللبنانية إلى مقاربة الملف بمرونة أكبر، خصوصًا أن ترسيم الحدود يشكل شرطا أساسيا لتثبيت الاستقرار الحدودي ومراقبة المعابر غير الشرعية، وبالتالي الحد من تدفقات النازحين التي تؤرق لبنان والعواصم الأوروبية.
ان الزيارة بحد ذاتها حملت رسالة واضحة مفادها أن فرنسا لا تزال ترى في لبنان ساحة تتطلب رعاية دولية مستمرة، وأن أي استقرار دائم لا يمكن أن يتحقق دون معالجة الملفات العالقة مع دمشق. وبين الحسابات الداخلية اللبنانية والتوازنات الإقليمية، يبقى السؤال مفتوحًا حول قدرة المبادرة الفرنسية على تجاوز الحذر التقليدي بين البلدين، وتحويل العرض الدبلوماسي إلى مسار تفاوضي فعلي.
مع الإشارة هنا الى ان هناك طروحات يتم تداولها ترمي الى ابقاء نقاط مراقبة لقوات اليونيفل في الجنوب، ونشر قوات من عدة دول على الحدود السورية اللبنانية غير ان هذه الطروحات لم تلق اي صدى لا من الجانب السوري ولا اللبناني.




