أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: رمانة أم قلوب مليانة

“رمانة ولا قلوب مليانة؟” مثلٌ شعبي لبناني ينطبق تمامًا على النقاشات المتكررة حول تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان، في ما يخص البند المتعلق باقتراع المنتشرين، والذي تحوّل في الآونة الأخيرة ولا يزال مادة سجالية حامية، يتداخل فيها القانوني مع الطائفي، والمبدئي مع المصلحي، حتى باتت مسألة الإصلاح الانتخابي أشبه بـ”الخط الأحمر” الذي يتهيب الجميع الاقتراب منه.

والسؤال الذي من البديهي أن يُسأل هو: هل المشكلة فعلاً في القانون فقط؟ أم أن ما يدور حوله من تجاذبات يخفي نقمة أعمق على النظام السياسي والطائفي برمّته؟
الواقع يشير إلى أن قانون الانتخاب بات واجهة لصراعٍ مكبوت على السلطة والتمثيل والهوية، فكل نقاش حول تعديل القانون أو تطويره، سرعان ما ينزلق إلى مخاوف وجودية:
هل يستهدف المسيحيين؟
هل يُهمّش السنّة؟
هل يمنح حزب الله تفوقًا شيعيًا؟
هل يُضعف القوى التقليدية؟

وهكذا، يتحوّل أي اقتراح للإصلاح إلى لغزٍ طائفي – سياسي، تُعطّله الحسابات الدقيقة للمصالح.

في البلدان الطبيعية، قانون الانتخاب يُبنى على أسس علمية، تُراعي عدالة التمثيل، وفعالية الأداء، ومساواة الناخبين. أما في لبنان، فكل ما هو تقني يتحوّل إلى سياسي، وكل ما هو سياسي يتحوّل إلى طائفي.

ولذلك، لم تنجح أي محاولة إصلاحية فعلية، من اعتماد الدائرة الواحدة، إلى الكوتا النسائية، إلى خفض سن الاقتراع، وحتى الحديث عن الهيئة المستقلة للانتخابات، أو عن الفرز الإلكتروني، يُواجَه بعقلية المحاصصة والشك الدائم في نيات الآخر، وكأن لبنان محكوم بأن يُعيد اختراع “العجلة” في كل مرة، ليصل في النهاية إلى طريقٍ مسدود.

ما من شك أن لبنان بحاجة إلى عقد سياسي جديد، سواء أكانت المشكلة “رمانة” – أي في نص القانون وتقنياته – أو “قلوب مليانة” – أي في عمق النظام الطائفي نفسه – فإن الواضح أن لبنان بحاجة إلى نقاش وطني صادق وجريء حول معنى التمثيل، والدولة، والمواطنة.

فقانون الانتخابات ليس مجرد أداة تقنية، بل هو مرآة تعكس شكل النظام. وإذا كان هذا النظام مأزومًا، فسيظل القانون الانتخابي أداة تخدم الأزمة، لا الحل.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى