أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: جريمة العصر

في الرابع من آب، في مثل هذا اليوم، توقّف الزمن في بيروت. تعود الساعة إلى السادسة وسبع دقائق مساءً، حين اهتزّت في ذلك الوقت المدينة كما لم تهتزّ من قبل، وارتفعت سحابة الموت فوق المرفأ، فأظلمت الحياة في قلوب الآلاف، وسكنت في عيون من فقدوا أحبّتهم، من فقدوا بيوتهم، أو فقدوا جزءًا من أنفسهم.

اليوم، تمرّ أربع سنوات على انفجار مرفأ بيروت، ذلك الجرح المفتوح في خاصرة العاصمة. لا شيء يُخفّف وطأة الذكرى، لا مرور الوقت، ولا الخطابات، ولا البيانات، ولا الوعود المتكرّرة بتحقيق العدالة. فمنذ ذلك اليوم، لم تعد بيروت كما كانت، ولم يعد اللبناني كما كان. كأنّ هذا الانفجار أعاد كتابة الذاكرة بألم لا يُنسى.

في لحظة واحدة، تحوّلت المدينة إلى ساحة حرب. أكثر من مئتي شهيد، وآلاف الجرحى، ودمار هائل اجتاح الأحياء القريبة والبعيدة. هُدّمت منازل تاريخية، وتحرّكت مستشفيات ومدارس، وتشرد الآلاف، لكن الأشدّ وقعًا من كلّ ذلك، كان الغياب الموجع لمحاسبة المتسبّبين.

العدالة ما زالت عالقة، والتحقيقات تراوح مكانها، والشبهات تزداد، والثقة تتآكل. كيف لبلدٍ أن ينهض، إذا كانت جراحه تنزف بصمت، وإذا كانت دماء ضحاياه بلا جواب؟

ورغم كلّ شيء، لم تُهزَم بيروت. فالناس الذين نزلوا إلى الشوارع يومها لإزالة الركام، هم أنفسهم الذين رفضوا الاستسلام، رفعوا صور أحبّتهم في الساحات، طالبوا، وصرخوا، وكتبوا، وواصلوا التحرّكات. في عزّ الألم، وُلد إصرار لا يُقهَر. وكأنّ بيروت، رغم كلّ ما حلّ بها، ما زالت تعرف كيف تحبّ الحياة، كيف تُرمّم نفسها، كيف تقاوم.

في ذكرى انفجار المرفأ، الذي وُصف منذ اللحظة الأولى بـ”جريمة العصر”، لا نكتب فقط عن الفاجعة، بل عن الذاكرة. عن البيوت التي بعضها لم يُرمَّم بعد، عن الأرواح التي لا تنام، عن الوجع الذي أصبح جزءًا من هوية مدينة. نكتب لأنّ الصمت خيانة، ولأنّ النسيان جريمة.

يا بيروت، في هذا اليوم الحزين، نضع وردة على جرحك، ونُشعل شمعة على الأرصفة التي عرفت الدم، ونرفع الصوت من جديد: فلتظهر حقيقة ما حصل، ولتتحقّق العدالة، رأفةً بمَن ماتوا، وبمَن بقي على قيد الحياة.

Ask ChatGPT

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى