أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: تراجع الضغط الأميركي

يشير المسار السياسي في الأيام الأخيرة إلى تراجع واضح في حدّة الضغوط الأميركية المرتبطة بالملفات اللبنانية، وهو تراجع لا يمكن فصلُه عن مجموعة من المتغيّرات الإقليمية والدولية التي أعادت ترتيب الأولويات في واشنطن. فعلى الرغم من استمرار الاهتمام الأميركي بالاستقرار الأمني والسياسي في لبنان، إلا أنّ المقاربة باتت أكثر هدوءاً وأقلّ توتراً، مع ميلٍ إلى اعتماد سياسة «الخطوة–خطوة» بدل المواجهة المفتوحة أو الاشتراطات الصارمة.

في هذا السياق، برز موقف لافت للإدارة الأميركية تمثّل في إعلان البنتاغون موافقته على «بيع محتمل» لمركبات تكتيكية متوسطة «إم1085 إيه2» و«إم1078 إيه2» وعتاد ذي صلة إلى لبنان، بتكلفة تقديرية تبلغ 90.5 مليون دولار.

هذه الخطوة اعتُبرت بمثابة تأكيد على مكانة المؤسسة العسكرية كمرتكز أساسي في حفظ الاستقرار الداخلي، حيث يأتي الدعم الجديد هذا في لحظة دقيقة تشهد فيها الدولة اللبنانية تراجعاً حادّاً في قدراتها المالية، ما يجعل من تعزيز قدرات الجيش أمراً ضرورياً لضمان الأمن وإبقاء تماسك المؤسسات.

هذا القرار الأميركي في دعم الجيش لا يحمل دلالة تقنية فقط، بل يعبّر أيضاً عن رغبة أميركية في الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة مع بيروت، خصوصاً أنّ واشنطن تدرك حساسية المرحلة التي يعيشها لبنان، سواء على مستوى الاستحقاقات الدستورية أو التحديات الأمنية. ومن الواضح أنّ القرار يعكس أيضاً إدراكاً لأهمية منع الانهيار الكامل للمؤسسات التي ما زالت صامدة، وعلى رأسها الجيش.

من جهة أخرى، يقرأ بعض المراقبين هذا التطوّر بوصفه محاولة لإعادة ضبط العلاقة الأميركية–اللبنانية بعد فترة وجيزة من التوتر اتّسمت بتصريحات حادّة وضغوط سياسية، وإلغاء زيارة كان قائد الجيش رودولف هيكل بصدد القيام بها إلى واشنطن. فالتراجع في حدّة اللهجة يوفّر هامشاً أوسع أمام لبنان للتحرّك، كما يتيح للقنوات الدبلوماسية العمل بعيداً عن الضغط المباشر.

نختم لنقول: إنّ واشنطن وكأنّها تعتمد مقاربة أكثر توازناً تجاه لبنان، تدمج بين الحفاظ على نفوذها التقليدي وبين تجنّب دفع البلاد إلى مزيد من الانقسام. ومع أنّ الدعم المالي للجيش لا يشكّل حلاً شاملاً للأزمة، فإنّه يشكّل رسالة واضحة بأنّ الاستقرار الأمني يبقى أولوية مشتركة، وأنّ المؤسسة العسكرية ستظلّ محور الاهتمام الدولي في المرحلة المقبلة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى