افتتاحية اليوم: التعيينات بين المحاصصة وترهل الادارة

تقف التعيينات في الفئات الأولى في الإدارة العامة عند مفترقٍ بالغ الحساسية، تُحكمه الحسابات السياسية والطائفية أكثر مما تحدده الكفاءة والمؤسساتية. وفي ظل هذا الجمود، تتفاقم معاناة إدارات الدولة التي باتت عاجزة عن أداء أبسط وظائفها نتيجة الشغور والترهل، مما يضع المواطن اللبناني مجدداً في مواجهة كلفة الفوضى.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن أكثر من 60% من المناصب العليا في الإدارات العامة والهيئات الرقابية والقضائية شاغرة، أو تدار بالوكالة، ما يجعل عملية اتخاذ القرار بطيئة، ويضعف آلية الرقابة والمحاسبة، والإدارات التي تتطلب قيادة إدارية فاعلة تعاني حالياً من غياب المرجعيات، فيما يتراجع الأداء الوظيفي تدريجياً مع خروج الكفاءات إلى التقاعد دون تعيين بدائل.
من المعلوم انه وعلى مدى اعوام كثيرة فان العقبة الأساسية في وجه التعيينات تكمن في الانقسام السياسي والطائفي، حيث تخضع المواقع العليا في الإدارة العامة لمنطق المحاصصة لا إلى معايير النزاهة والخبرة. فكل طرف سياسي يحاول ضمان حصته من التعيينات لضمان نفوذه داخل الإدارة، حتى لو جاء ذلك على حساب المصلحة العامة.
ليس سراً أن إدارة الدولة اليوم تُسَيَّر بالحد الأدنى، حيث يتولى موظفون مراكزهم بالوكالة أو بقرارات تمديد غير قانونية في بعض الأحيان. هذا الواقع يؤدي إلى تعطيل مشاريع الدولة المرتبطة، وهروب الكفاءات نحو الخارج أو القطاع الخاص.
حيال ذلك يتحدث بعض السياسيين عن ضرورة تفعيل التعيينات من خلال اعتماد الآلية الجديدة التي تستند إلى الكفاءة، مع إعادة النظر في الحصص الطائفية على الأقل في المواقع غير السيادية، لكن من دون توافق سياسي جامع، فإن هذه الاقتراحات تبقى حبراً على ورق، فجميع اللبنانيين يدركون انه ما لم يتم فصل السياسة عن الإدارة وتحييد التعيينات عن التجاذبات، فإن الفراغ في الفئة الأولى سيبقى قائماً، وستبقى الدولة تُدار بروحٍ مؤقتة وعقلية وكالة… وهو ما لا يحتمله بلد على شفير الانهيار.