أبرزرأي

إيران عام 2024 بين التحديات الداخلية والخارجية

كتبت هدى رؤوف في إندبندنت عربية.

مر عام 2023 الذي حققت خلاله إيران انفراجات في بعض الملفات قد يستمر بعضها للعام المقبل، لكن هناك قضايا تمثل تحديات تنتظر طهران خلال 2024. ويتعلق ذلك بكل من ملفات السياسة الداخلية والسياسة الخارجية.

واتسم عام 2023 بتركيز إيران على مسارين: الأول دبلوماسية الجوار، والثاني سياسة التوجه شرقاً، حيث نجحت في الاستفادة من الانفراج الإقليمي للخروج من العزلة الإقليمية والدولية، بإتمام اتفاق المصالحة مع السعودية وتحسن العلاقات مع الإمارات، كما سعت إلى تأكيد سياسة التوجه شرقاً بتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين ودول وسط وشرق آسيا. ومع ذلك استمرت بعض الملفات المعلقة وهي في مجملها تمثل تحديات ستواجه النظام الإيراني خلال عام 2024.

التحديات الداخلية:

استمرار الغضب الشعبي

ستظل قضية الحجاب واستمرار استياء المواطنين من النظام الذي عاد في أعقاب تمكنه من القضاء على تظاهرات الحجاب، أن فرض الحجاب بقواعد أشد صرامة ومن خلال تشريعات. ومع استمرار الأوضاع الاقتصادية المأزومة فإن الحراك الاجتماعي الساكن الآن بفعل القوة الأمنية الإيرانية قد يتحرك في أي وقت، لا سيما مع تطوير المتظاهرين لأدوات احتجاجية جديدة جعلت تظاهرات الحجاب تستمر لأشهر عدة، مما جعلها أكثر التحديات التي واجهت النظام الإيراني منذ تأسيسه، حيث استقطبت جميع فئات المجتمع، وجاءت على خلفية تزايد الإحباط بين الإيرانيين في أعقاب وباء كورونا، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والجمود في المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، من ثم استمرار العقوبات على إيران. أي إنه على رغم اختفاء الاحتجاجات فإن استمرار الاستياء الشعبي يزيد احتمالات تأجيجها مرة أخرى من حين إلى آخر.

ضعف شرعية النظام

في مارس (آذار) المقبل ستجرى إيران الانتخابات التشريعية، والتي من المرجح في ظل الاستياء الشعبي ألا تشهد إقبالاً من الناخبين لتسجل نسبة تصويت أقل من الانتخابات التي أجريت عام 2020، وكانت ضعيفة هي الأخرى، حيث وصلت إلى 42 في المئة، وهي أضعف نسبة تصويت منذ 1979، وفي حين يستشهد النظام الإيراني بإجراء الاستحقاقات الانتخابية لتصدير صورة كونه مقبولاً شعبياً، فإن تراجع اهتمام المواطنين بالتصويت سيكون مؤشراً إلى استمرار تزايد الغضب الشعبي. ومع استمرار الأزمة الاقتصادية ومعدلات التضخم ونسب الفقر فمن غير المرجح خروج المواطنين للتصويت. وكان مشهد المشاركة الضعيفة في التظاهرات المدعومة من النظام لدعم غزة دليلاً على تزايد الفجوة بين النظام والإيرانيين.

خلافة المرشد

تعد خلافة المرشد أهم القضايا المحتمل أن تطل بوجهها أمام النظام الإيراني واختيار خليفة يضمن بقاء نظام ولاية الفقيه بعد وفاته.

ربما أحد المرشحين بقوة لخلافة علي خامنئي هو مجتبى ابنه، المرتبط بالحرس الثوري، أي إنه يرتبط بالركيزتين الرئيستين للنظام، مؤسستها العسكرية والدينية، بما يثير هذا استياء بعض رجال الدين الرافضين لمجتبى، وكذلك المواطنين غير الراغبين في استمرار حكم رجال الدين.

التحديات الخارجية:

الملف النووي

تراجع اهتمام كل من واشنطن وطهران بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وكان يهدف إلى منع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يضعها على عتبة الحصول على أسلحة نووية، وفي ظل المماطلة الإيرانية خلال محادثات فيينا، انتفت جدوى الاتفاق، لا سيما في ظل تطوير إيران قدراتها النووية، مع غياب رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأقر تقرير صدر حديثاً عن الوكالة باستمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة زيادة عما وصلت إليه قبل منتصف عام 2023، مما يشير إلى استغلال طهران للعملية العسكرية الإسرائيلية على غزة وانشغال المجتمع الدولي، لتراكم كميات اليورانيوم المخصب لديها سراً، ومن ثم فقد أرست إيران واقعاً جديداً في ما يخص برنامجها النووي.

من جهة أخرى حصلت إيران على أموال مجمدة من البنوك الكورية بموافقة أميركية، ولا يتبقى سوى أن إيجاد آلية مالية يتم من خلال المعاملات المالية بديلاً لرفع العقوبات الأميركية، أي إن عام 2023 انتهى بصفقة أميركية – إيرانية تتعلق بالسجناء والأموال المجمدة لتكون بديلاً عن إحياء الاتفاق النووي، ومن ثم حصلت إيران على منافع عدة دون إحياء الاتفاق بقيود جديدة.

وتشير تلك التطورات إلى أن البرنامج النووي الإيراني يستمر خلال 2024 عالقاً بلا حل، لا سيما أنه انتقل لمرحلة جديدة، وفي حين ستستخدمه واشنطن كورقة لمناكفة إيران حينما تريد، ستبقى إسرائيل الطرف الرئيس المعني بوقف الأنشطة النووية لإيران.

ويعد استمرار الاضطرابات الإقليمية منفعة لإيران، في الأقل في الوقت الحالي، حيث ارتفعت أسعار النفط بما يزيد على خمسة دولارات للبرميل منذ عملية “حماس”، “طوفان الأقصى”، وتحرص واشنطن على خفض التضخم في الفترة التي تسبق انتخاباتها العام المقبل، لذا سمحت ضمنياً لإيران بتصدير النفط، فقد ارتفع حجم إنتاجه وبيعه خلال إدارة بايدن نحو خمسة أضعاف، ليصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً، وهو أعلى مستوى له منذ فرضت إدارة ترمب العقوبات عام 2018.

محور المقاومة ووحدة الساحات

مثلت العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” تحدياً لإيران التي كثيراً ما روجت لمحور المقاومة ومبدأ وحدة الساحات، وفي حين نأت بنفسها عن “طوفان الأقصى”، ظهرت حريصة على أن تظل شريكة في ما يحدث بغزة، لتوسع هامش مناوراتها مع واشنطن. ومع ذلك سيظل التحدي متمثلاً في: هل سيتماسك محور المقاومة في حال انتهت العملية الإسرائيلية، وهل يمكن لإيران أن تؤجج بؤر التوتر ضد إسرائيل إعمالاً بمبدأ وحدة الساحات.

استمرار حرب الظل مع إسرائيل

من المرجح بعد انتهاء العمليات الإسرائيلية في غزة أن يعود الانشغال الإسرائيلي بالملف الإيراني، سواء لجهة وجودها العسكري في سوريا أو وضع حد لتطوير قدراتها النووية، ومن ثم ستستمر عمليات التخريب والاختراق والتجسس، واستهداف الشخصيات الإيرانية، والهجمات السيبرانية، فضلاً عن انتقال الصراع بينهما للمساحات البحرية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى