أبرزرأي

إسرائيل تطلق حملة شاملة: لا لاتفاق مع إيران

كتب يحيى دبوق, في صحيفة الأخبار:

مع استئناف الولايات المتحدة الجولة الجديدة من المحادثات غير المباشرة بينها وبين إيران حول برنامج الأخيرة النووي، برزت إسرائيل كواحد من أبرز الأطراف التي تبدي قلقاً إزاء احتمال التوصل إلى اتفاق يحدّ من التهديد الإيراني ولا ينهيه. ففي الرؤية الإسرائيلية، أيُّ تسوية لا تمنع طهران من العودة إلى التخصيب النووي في المستقبل، لن تكون أكثر من هدنة مؤقّتة مع نظام ترى أنه سيستمر في سعيه نحو امتلاك القدرة العسكرية النووية، من دون أن تردعه القيود المؤقتة.

ومع أن الملف النووي يشكّل محور القلق الإسرائيلي، إلا أن الأمر لا يقتصر عليه، بل يمتدّ ليشمل عدداً من الجوانب الأخرى من مثل البرنامج التسليحي والنفوذ الإقليمي، وهي تهديدات ترى الدولة العبرية أن خطورتها هي بالقدر نفسه أو حتى أكبر، من الخطر النووي نفسه، وهو ما لا يلقى اهتماماً من قبل واشنطن، كما يظهر إلى الآن، في المسار التفاوضي.

وكانت إسرائيل ولا تزال تفضّل اللجوء إلى خيار المواجهة العسكرية الشاملة بقيادة أميركية، لا بهدف إنهاء التهديد النووي فقط، بل وأيضاً الإطاحة بالنظام الإيراني ذاته – والذي ترى في استمرار وجوده مصدراً لأشكال التهديدات كافة التي تتعرّض لها -، وهو ما تأمل إتمامه خلال فترة إدارة الرئيس، دونالد ترامب. لكن بما أن القرار الأميركي جاء لصالح المسار الدبلوماسي، لأسباب مرتبطة بالمعادلات الاستراتيجية وحساب الكلفة مقابل الفائدة، فقد اضطرت إسرائيل إلى الموافقة على هذا المسار، ولو بشرطية واضحة ومحدّدات تعكس مخاوفها، من دون أن يعني ذلك بالضرورة التزاماً كاملاً بنتائج الاتفاق المرتقب.

ومن هنا، تعمل إسرائيل على تعزيز تأثيرها في المواقف الأميركية عبر حملة سياسية ودبلوماسية واستخبارية متعدّدة الجهات، بالإضافة إلى تصريحات رسمية حادّة وواضحة، تهدف إلى الضغط على إدارة ترامب لتجنّب الدخول في اتفاق تراه تهديداً لأمنها. وتركّز الحملة الإسرائيلية على عدد من النقاط الأساسية، من بينها: الخشية من اتفاق يسمح لإيران بالحفاظ على البنية التحتية النووية الكافية لاستئناف التخصيب بمستويات مرتفعة مستقبلاً، وكذلك القلق من أن يؤدّي رفع الحصار الاقتصادي عن طهران إلى إعادة تنشيط دورها الإقليمي وتقوية نفوذها عبر حلفائها في المنطقة، والمطالبة بأن يتضمّن أي اتفاق محتمل بنوداً تمنع طهران من تطوير برنامجها الصاروخي الباليستي، وتسليح حلفائها.

ثمّة خلاف حقيقي بين الموقفيْن الأميركي والإسرائيلي حول طبيعة الاتفاق المنشود

وفي اليومين الماضيين، شنّت إسرائيل حملة دبلوماسية وإعلامية مكثّفة، شاركت فيها شخصيات سياسية وعسكرية بارزة مثل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزيري الأمن، يسرائيل كاتس، والشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، الذي أُوكلت إليه مهمة التنسيق المباشر مع الإدارة الأميركية بشأن الملف الإيراني. وحملت تصريحات هؤلاء رسائل شبه موحّدة مفادها أن «أي اتفاق نووي مع إيران لا يمنعها تماماً من امتلاك السلاح النووي، هو اتفاق سيئ وخطير على أمن إسرائيل وعلى المنطقة»، وهو خطاب يشكّل جزءاً من إستراتيجية شاملة تعتمد على الضغط الدبلوماسي والتنسيق الاستخباري والتهديد الضمني بالعمل العسكري المنفرد، إذا لم تُلَبّ مطالب تل أبيب.

وتضع القيادة الإسرائيلية أربعة شروط أساسية لأي اتفاق محتمل، هي التالية: وقف كامل لتخصيب اليورانيوم، وتفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل نهائي، وآلية رقابة دولية فورية وفعّالة، ومنع تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية. وهذه المطالب، هي التي برزت أخيراً وجرى التشديد عليها، خلال زيارة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، شلومي بيندر، إلى الولايات المتحدة، والتي ظهّرت، بدورها، تنامي مخاوف تل أبيب إزاء تطورات المفاوضات النووية؛ إذ شدّد، خلال لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين، على ضرورة تعزيز التنسيق الأمني والاستخباري بين الجانبين، وهو أمر إستراتيجي بالنسبة إلى إسرائيل، ويُستخدم كوسيلة للتأثير في السياسة الأميركية.

وعلى أي حال، فإن التصريحات المتزايدة من الجانب الإسرائيلي، بما فيها التعبير العلني عن الخطوط الحمر، تشير إلى وجود خلاف حقيقي بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي حول طبيعة الاتفاق المرغوب فيه، وإن كان في ذلك نوع من التخادم بين الجانبين. ففي حين ترى واشنطن أن حلاً وسطاً يمكن تحقيقه عبر السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم ضمن حدود مدنية وضوابط مشدّدة، ترى تل أبيب أن الحل الوحيد الآمن هو ما تمّ تطبيقه في ليبيا عام 2003، حيث تمّت إزالة كل المعدات، والتخلّص من المواد النووية، والإشراف الدولي الكامل على العملية. ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترامب لا ترفض التصعيد الإعلامي الإسرائيلي، بل وتستفيد منه كأداة ضغط تفاوضية مع طهران، معتقدة بأن التهديد الإسرائيلي يعزّز موقفها في المباحثات ويدفع إيران إلى تقديم تنازلات أكبر.

لكن ما هي النتيجة التي يجري ترجيحها للجهود الإسرائيلية تجاه واشنطن؟ قد تكون في التسريبات الواردة من تل أبيب نفسها، إجابة أكثر ترجيحاً؛ إذ إن التقديرات داخل المؤسسة الأمنية في تل أبيب، تشير إلى أنه قد يكون من الصعب على الدولة العبرية فرض رؤيتها بالكامل على طاولة المفاوضات، وأن واشنطن قد لا تلتزم بكل متطلبات الأولى في الاتفاق النهائي، وإن كانت ستحاول الاعتناء بجزء منها. ومما يعزز ذلك التقدير أن مقاربة أميركا للشأن الإيراني، ليست في المستوى نفسه من الأهمية الذي توليه إياها تل أبيب، ولا سيما في ظلّ انهماك الولايات المتحدة في تحديات إستراتيجية، خارج دائرة الساحة الإقليمية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى