رأي

أوروبا في مرمى ترامب بعد كندا والمكسيك

كتبت باتريشيا كوهين, في “نيويورك تايمز” :

هذه هي الرسالة الأخيرة للرئيس دونالد ترمب، الذي قال مراراً في الأيام الأخيرة إنه سوف يفرض رسوماً جمركية عقابية على الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي.

قال ترمب لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مساء يوم الأحد، إن التعريفات الجمركية «سوف تحدث بالتأكيد مع الاتحاد الأوروبي»، وإنها ستأتي «قريباً جداً». وقد ضاعف التهديد يوم الاثنين لما اشتكى من العجز في منتجات السيارات والمنتجات الزراعية. ومن المقرر أن تدخل الرسوم الجمركية الجديدة على الواردات من كندا والصين والمكسيك حيز التنفيذ، لكن يوم الاثنين، مُنحت المكسيك وكندا مهلة لمدة شهر واحد.

وقال ترمب: «إن الاتحاد الأوروبي أساء استخدام الولايات المتحدة لسنوات، وليس بوسعهم أن يفعلوا ذلك».

خرجت من البيت الأبيض خلال الأسبوعين الماضيين موجة هائلة من الأوامر التنفيذية والتراجع عن السياسات السابقة ذات الصلة بالتجارة الدولية والمساعدات والاتفاقيات. ولكن هناك خيط مشترك واحد يربط بينهم: ألا وهو أن ترمب وجه أشد العقوبات إلى بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة اقتصادياً وعسكرياً.

وقالت أغاثي ديمارايس، باحثة سياسية بارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن أحد الأسباب وراء ذلك أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري كبير مع المكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الصين.

وأضافت أن «ترمب مهووس بالعجز التجاري». وربما «يبدأ بالأماكن التي يشعر أنه سيحقق فيها مكاسب سريعة».

بطبيعة الحال، لا تشكل الفوائض التجارية بالضرورة أي مؤشر على صحة اقتصاد أي بلد. كانت آخر مرة حققت فيها الولايات المتحدة فائضاً تجارياً إجمالياً عام 1975، عندما كان الاقتصاد الأميركي لا يزال في حالة ركود حاد.

وبحسب المكتب الأميركي للتحليل الاقتصادي، كان لدى الولايات المتحدة فائض تجاري في عام 2023 مع بريطانيا. وقد يساعد ذلك بريطانيا في تجنب الرسوم الجمركية. وقال ترمب: «أعتقد أنه يمكن التوصل إلى حل»، مقارناً بريطانيا بأوروبا.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد وصف ترمب الممارسات التجارية للاتحاد الأوروبي بأنها «فظيعة». ولكن الرسوم الجمركية المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لقاء بعضهما بعضاً متشابهة إلى حد كبير.

قالت كيمبرلي كلاوزينغ، الخبيرة الاقتصادية في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن: «إن نمط الحمائية بين الولايات المتحدة وأوروبا متكافئ للغاية، وليس هناك أي دليل على الإطلاق على أن الولايات المتحدة قد تعرضت للاستغلال». «هذا الادعاء مخادع تماماً».

وتخضع المنتجات المصدرة من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي في المتوسط للتعريفة الجمركية بنسبة 3.95 في المائة، وفقاً لشركة «آي إن جي» لأبحاث الأسواق العالمية. وتُضاف تعريفة قدرها 3.5 في المائة في المتوسط إلى منتجات الاتحاد الأوروبي التي تتجه غرباً عبر المحيط الأطلسي.

غير أن التفاوت أكبر في بعض الأمور، مثل السيارات. وتبلغ الرسوم الجمركية للاتحاد الأوروبي 10 في المائة، مقارنة بنسبة 2.5 في المائة من الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة. كما أن الرسوم الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الأغذية والمشروبات أعلى بنسبة 3.5 في المائة في المتوسط من تلك التي تحددها الولايات المتحدة. ولطالما اشتكى ترمب من كلا القطاعين.

الولايات المتحدة هي المشتري رقم 1 لصادرات الاتحاد الأوروبي، وتمثل ما يقرب من 20 في المائة من الإجمالي في عام 2023، وفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي. وبلغ فائض الكتلة الأوروبية في السلع نحو 160 مليار دولار، وكان هناك عجز في الخدمات قدره 107 مليارات دولار.

قالت ميت فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، يوم الاثنين إنها «لن تدعم أبداً الحلفاء المتقاتلين»، ولكن «إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية صارمة على أوروبا، فإننا بحاجة إلى استجابة جماعية وقوية».

وقال دونالد توسك، رئيس وزراء بولندا: «علينا أن نفعل كل شيء لتجنب ذلك… حرب جمركية أو حروب تجارية غبية وغير ضرورية على الإطلاق».

ظل زعماء أوروبا طوال أشهر يعدون العدة بهدوء للكيفية التي ينبغي عليهم أن يستجيبوا بها. ويُحذر كبار رجال الأعمال والجمعيات التجارية من أن الحرب التجارية المتصاعدة والطريقة غير المتوقعة التى تُشن بها يمكن أن تُبطئا من الاستثمارات. كما أن الرسوم الجمركية الأميركية على السلع الأوروبية سوف تضر بالشركات عندما تضعف بسبب انخفاض الطلب في الداخل وفي الصين.

أصدرت غرفة التجارة الأميركية لدى الاتحاد الأوروبي بياناً يوم الاثنين انتقدت فيه الرسوم الجمركية المحتملة، بحجة أنها ستدعو إلى الانتقام وسوف تسبب معاناة للشركات على جانبي المحيط الأطلسي.

تردد كبار رجال الأعمال الألمان يوم الاثنين في التعليق على إمكانية فرض رسوم جمركية على أوروبا، بيد أنهم ردوا بمزيج من القلق والاستكانة على الذين يستهدفون المكسيك وكندا.

قال وولفغانغ نيدرمارك، عضو مجلس إدارة شركة «بي دي آي»، وهي مجموعة ضاغطة صناعية ألمانية: «إن الصناعة الألمانية تتأثر بشكل مباشر بالتعريفات الجمركية، حيث إنها تزود السوق الأميركية أيضاً من المصانع في المكسيك وكندا. إن صناعة السيارات ومورديها، بما فيها الصناعة الكيميائية كمورد للمواد الكيميائية الخام، سوف تتأثر أكثر بكثير من القطاعات الأخرى».

اختارت العديد من الشركات الألمانية التي تعمل في المكسيك والبالغ عددها 2100 شركة، بما في ذلك شركة «بي إم دبليو» و«فولكس فاغن» و«أودي»، البناء هناك بعد أن وقع ترمب اتفاقية تجارية مع المكسيك وكندا خلال فترة ولايته الأولى، عندما لاح في الأفق التهديد بفرض الرسوم الجمركية على ألمانيا.

تجدر الإشارة إلى أن ما يقرب من ربع الـ1.3 مليون سيارة التى باعتها شركات صناعة السيارات الألمانية في الولايات المتحدة في العام الماضي، كانت تُنتج في المكسيك. بالإضافة إلى شركات السيارات، هناك شبكة من موردي قطع غيار السيارات، مثل «بوش» و«زد إف»، لديها مصانع للبحث والإنتاج هناك.

انخفضت أسواق الأسهم الآسيوية والأوروبية يوم الاثنين، حيث شهدت بعض أكبر الانخفاضات في أسعار الأسهم بين شركات صناعة السيارات.

وبحسب تقديرات خبراء الاقتصاد في معهد «بروغنوس» في سويسرا فإن 1.2 مليون وظيفة في ألمانيا كانت تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة، وما يقرب من 300 ألف وظيفة منها قد تتعرض للخطر إذا دخلت الرسوم الجمركية المفروضة على أوروبا حيز التنفيذ.

كما تستعد صناعة الكماليات في أوروبا لضربة جديدة. ففي عام 2019، فرضت الولايات المتحدة لفترة وجيزة رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على النبيذ الفرنسي والجبن الإيطالي، فضلا عن حقائب اليد الجلدية الفاخرة والأمتعة من ماركات مثل «لويس فويتون» و«غوتشي».

وسعى برنارد أرنو، رئيس إمبراطورية «لويس فويتون»، إلى إقامة علاقات مباشرة مع ترمب، الذي دعاه شخصياً لحضور مراسم التنصيب الشهر الماضي في واشنطن. وفي عرض تقديمي الأسبوع الماضي للأرباح، قال أرنو إن خفض ضريبة الشركات إلى 15 في المائة و«الترحيب بكم بأذرع مفتوحة» يجعلان الولايات المتحدة أكثر جاذبية للشركات.

وقالت كيمبرلي كلاوزينغ إن هناك أسباباً تجعل أي دولة تشعر بالقلق إزاء العجز التجاري الكبير للغاية، ولكن الولايات المتحدة لا تواجه هذه المشكلات في الوقت الحالي.

وأوضحت أن العجز التجاري يشير إلى أن المستهلكين الأميركيين يحصلون على الكثير من السلع أكثر من بقية العالم. وإذا تسببت الرسوم الجمركية في دفع الأسعار إلى الارتفاع وكان لزاماً على الأميركيين أن يدفعوا المزيد، كما يتوقع أغلب خبراء الاقتصاد، فإن مستويات معيشتهم سوف تنخفض.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى