أزهار عباد الشمس.. كيف ترى الشمس كي تتبعها؟
بينما تدور الأرض وتتحرك الشمس عبر السماء من الشرق إلى الغرب، تُدير أزهار عباد الشمس وجوهها الصفراء اللامعة لتتبعها، فهي تتحرك خلال النهار من أجل تتبع الشمس وفقا لتكوينها البيولوجي، وذلك كي تتمكن من تحقيق أقصى قدر من فوائد ضوء الشمس عبر عملية التمثيل الضوئي.
وتعتبر معرفة الآليات الكامنة وراء هذه الحركة لغزا بالنسبة للعلماء، وهو ما تحاول الإجابة عليه الدراسة التي أجراها علماء الأحياء النباتية في جامعة كاليفورنيا ديفيس والمنشورة في دورية بلوس بيولوجي في عددها الصادر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
الاستجابة الضوئية
ويقول البيان الصادر من جامعة كاليفورنيا ديفيس، في الماضي كان يُعتقد أن قدرة عباد الشمس على التحرك نحو مصادر الضوء مدفوعة في المقام الأول بمسار استجابة يعتمد على الضوء يُعرف باسم الاستجابة الضوئية، أو ما يسمى بالانتحاء (أو الانحناء) الضوئي (phototropism).
والانحناء الضوئي هو قدرة النباتات على النمو باتجاه مصدر الضوء، حيث تتأرجح رؤوس أزهار عباد الشمس عن طريق النمو أكثر قليلاً على الجانب الشرقي من الساق، مما يدفع الرأس غربا خلال النهار وأكثر قليلاً على الجانب الغربي في الليل، لذلك يتأرجح الرأس مرة أخرى نحو الشرق.
ويضيف بيان جامعة كاليفورنيا ديفيس، أنه نظرا إلى أن النباتات متجذرة في مكان واحد، فإنها لا تستطيع التحرك إذا كان الضوء الذي تحتاجه لصنع الطعام يحجبه أحد الجيران أو إذا كانت في الظل، كما أن النباتات تعتمد على النمو أو الاستطالة للتحرك نحو الضوء، وهناك عدة أنظمة جزيئية وراء ذلك.
وتعتبر الاستجابة الضوئية من الأنظمة الجزيئية الأكثر شهرة، حيث تستشعر البروتينات التي تسمى فوتوتربينز (phototropins) الضوء الأزرق الذي يسقط بشكل غير متساو على الشتلات، ويتم إعادة توزيع هرمونات النمو في النبات، مما يؤدي في النهاية إلى انحنائه نحو الضوء.
لقد تساءل علماء النبات منذ فترة طويلة عن كيفية عمل الانتحاء الشمسي للسماح للنبات بتتبع مسار الشمس عبر السماء مع إبقاء وجهه دائما موجها نحو الشمس. وعلى الرغم من أنه كان من يفترض في البداية أن يكون نوعا من الانتحاء الضوئي، فإن العلماء في جامعة كاليفورنيا ديفيس اكتشفوا أن الانتحاء الشمسي هو آلية متميزة خاصة بها وهي أكثر تعقيدا وتفصيلا، وتتضمن تنشيط عدد كبير من الجينات عبر إعادة التوصيلات الجينية المحتملة.
التحقق من الفرضيات
وللتحقق من الفرضية في تفسير أسباب انحناء وتوجه عباد الشمس نحو الشمس، استخدم الفريق العلمي الذي قام بالدراسة عباد الشمس المزروعة في المختبر وغيرها المزروعة في الهواء الطلق تحت ضوء الشمس، وذلك من أجل معرفة الجينات التي تتفعّل عندما تعرضت مجموعتا النباتات لمصادر الضوء الخاصة بها.
ولاحظ الباحثون أن زهور عباد الشمس الداخلية نمت مباشرة نحو مصدر الضوء الأزرق في المختبر ونشطت الجينات المرتبطة بالفوتوتروبين.
أما الزهور التي نمت في الهواء الطلق وأرجحت رؤوسها مع الشمس، كان لها نمط مختلف من التعبير الجيني، إذ لم يكن لدى عباد الشمس أي اختلافات واضحة في جزيئات الفوتوتروبين بين جانب واحد من الجذع وآخر.
تقول ستيسي هارمر المشاركة في الدراسة وعالمة الأحياء النباتية في الجامعة: “لقد فوجئنا عندما كنا ندرس كيف تتبع هذه الأزهار الشمس كل يوم، وقد ذكرنا في هذه الورقة أن نباتات عباد الشمس تستخدم مسارات جزيئية مختلفة لبدء حركات التتبع والحفاظ عليها، وأن المستقبلات الضوئية المعروفة بالتسبب في انحناء النبات يبدو أنها تلعب دورا ثانويا في هذه العملية الرائعة”.
من ناحية أخرى قام الفريق أيضا بحجب الضوء الأزرق أو فوق البنفسجي أو الأحمر أو الأحمر البعيد باستخدام صناديق الظل، لتظهر التجربة عدم وجود تأثير على الاستجابة للانتحاء الشمسي.
ويوضح ذلك أنه من المحتمل وجود مسارات متعددة تستجيب لأطوال موجة مختلفة من الضوء، وبالتالي اتجه الباحثون نحو معرفة الجينات المشاركة في الانتحاء الشمسي.
ولتحقيق هذا الهدف قام الباحثون بنقل زهور عباد الشمس المزروعة في المختبر إلى الخارج، ثم بدؤوا بتتبع الشمس في يومهم الأول حيث ظهرت في البداية موجة ضخمة من التعبير الجيني على الجانب المظلل من النبات، وهو ما لم يحدث في الأيام التالية.
وقالت هارمر: “إن هذا يشير إلى حدوث نوع من “تجديد الأسلاك” في المصنع، و بالإضافة إلى التخلص من بعض العمليات التي تكمن وراء كيفية تتبع عباد الشمس للشمس، فإن هذا العمل له أيضا أهمية لتصميم تجارب مستقبلية مع النباتات لفهم آلياتها، حيث إن الأشياء التي تحددها في بيئة خاضعة للرقابة مثل غرفة النمو قد لا تنجح في العالم الحقيقي، فقد أدى نقل النباتات من الداخل إلى الخارج إلى موجة من التعبير الجيني”.