رأي

أردوغان يغرد.. ولكن خارج السرب

كتب علي قاسم في صحيف العرب.

أردوغان يريد اليوم أن يحمي بلاده من مسابقة للأغنية تقام سنويا، هي حسب رأيه “حصان طروادة” التي يريد الغرب أن يدمر تركيا مستعينا بها.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان امتدح عدم مشاركة حكومته في مسابقة يورو فيجن للسنة الثانية عشرة على التوالي، وقال إن الحكومة التركية كانت على صواب في قرارها إبقاء تركيا خارج المسابقة طيلة هذه السنين.

بغض النظر عن السبب وراء موقف أردوغان، الذي يحمل على ما يبدو إشارة إلى المغني السويسري نيمو الذي فاز في المسابقة بأغنية “ذا كود” ليُصبح بذلك أول فنان “لاثنائيّ جنسيا” يحقّق هذا الإنجاز. إلا أن تشبيهه للمسابقة بـ”حصان طروادة” “يهدد القيم الاجتماعية”، وتنديده بالانخفاض الخطير في معدلات المواليد في تركيا ووصفه بأنه “تهديد وجودي وكارثة للبلاد”، يدفع إلى التساؤل عما إذا كان الرئيس التركي يحكم تركيا من خارج الزمن وبعقلية تعود إلى الوراء 3200 عام.

مدينة طروادة التاريخية التي أشار إليها أردوغان تقع في شمال غرب الأناضول في تركيا الحديثة وتُعرف اليوم باسم هيسارليك، استطاعت الصمود بوجه الغزاة الإغريق 78 عاما، وسقطت بسبب حصان خشبي تسلل بواسطته مقاتلون أشداء إلى داخل المدينة المحصنة وفتحوا أبوابها ليدخل الإغريق إليها ويعملوا بأهلها تقتيلا.

أردوغان يريد اليوم أن يحمي بلاده من مسابقة للأغنية تقام سنويا، هي حسب رأيه “حصان طروادة” التي يريد الغرب أن يدمر تركيا مستعينا بها. ولكن، هل توقف أردوغان ولو لدقائق ليسأل نفسه إن كان فعلا يستطيع حجب المسابقة عن أهل بلاده؟

يستطيع أردوغان حرمان بلاده من المشاركة بالمسابقة، ولكنه لن يستطيع حرمان الأتراك من متابعتها والتفاعل معها، والدليل ببساطة أنه تابعها شخصيا، وتعليقه عليها خير دليل.

أردوغان ما زال يعيش بعقلية تنتمي إلى جيل الخمسينات والستينات، عندما كان بمقدور الحكومات أن تحجب الأخبار، ونسي أو هو لا يعلم أن العالم تغير، وأن الأخبار ستدركه أينما كان.

نتساءل، ونحن على حق، هل يتابع الرئيس أردوغان الأخبار حول مؤتمرات وندوات يتداعى إليها العالم يوميا لمناقشة التطورات الحديثة في عالم التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي والتنافس المحموم بين كبرى الشركات على الهواتف المحمولة.

الحيلة التي اتبعها أوديسيوس ملك إيثاكا الذي عرف عنه الذكاء والدهاء منذ أكثر من 3 آلاف عام، لن تنجح. و“الخطر” الذي يتحدث عنه أردوغان لن يتسلل إلى تركيا داخل حصان خشبي، بل سيدخل إليها عبر الهواء.

حصان طروادة اليوم هو الإنترنت والبث الرقمي والخوارزميات والكم الهائل من المعلومات التي تتسلل عبر الأثير. وهو حصان عجزت حتى الآن القوى الكبرى عن الوقوف بوجهه، رغم التحذيرات التي يطلقها الخبراء والمسؤولون من مخاطر قد يجلبها على البشر.

الطريقة الوحيدة لمجابهة التكنولوجيا الجديدة أن نقلب معادلة الحصان.. أن يُدخل أردوغان ومعه تركيا داخل حصان خشبي.

الأتراك ليسوا من الهشاشة والضعف ليخاف عليهم رجب طيب أردوغان من يورو فيجن. والقضية أكبر بكثير من أغنية مهما كان محتواها وكائنا من كان مؤديها.

إنها قضية 3200 عام مرت دون أن ندرك بمرورها.. إنه عصر تتطور فيه التكنولوجيا بسرعة تحبس الأنفاس، عصر لا ينفع معه التردد ومن يقف فيه لدقائق يتراجع سنين إلى الوراء.. عصر أصبحت الآلة فيه تتكلم وتسمع وترى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى