أجواء ونتائج الانتخابات الرئاسية فى تونس
كتب رخا أحمد حسن, في “الشروق” :
أجريت الانتخابات الرئاسية التونسية فى 6 أكتوبر 2024، وهى الانتخابات الثانية عشرة منذ قيام النظام الجمهورى فى تونس، والثانية منذ بداية ما عرف بثورة الربيع العربى فى تونس عام 2011. وهى الانتخابات الرئاسية الثانية التى خاضها الرئيس التونسى قيس سعيد الذى انتخب رئيسا لأول مرة فى عام 2019. وقد سبقت وأحاطت بالانتخابات الرئاسية هذه المرة أجواء لم تشهدها انتخابات سابقة، من حالة الاحتقان السياسى على مدى الخمس سنوات الماضية وتصاعدت حدته منذ فتح باب الترشيح للانتخابات إلى أن أجرى الاقتراع وأعلنت النتائج.
وصاحب إجراءات الترشح وشروطها وتعقيداتها ومعوقاتها، تصاعد مزيد من الخلاف والصراع بين السلطة التونسية، وعدد من الأحزاب السياسية والنقابات، ومنظمات المجتمع المدنى، تطورت إلى حملات إعلامية متبادلة، ومسيرات وتحركات فى الشوارع وقاعات المحاكم. وأمكن للحكومة حسم الخلافات القانونية والدستورية مع قوى المعارضة لصالحها. وزادت حدة الخلافات وأشار بعض الناشطين والسياسيين البارزين، وبعض المرشحين الافتراضيين ــ أى الذين كانوا راغبين فى الترشح ــ بخوضهم معارك سياسية وإعلامية شديدة بعد إجراء الاقتراع العام فى 6 أكتوبر 2024، مع السلطات، وهو ما يعد مؤشرًا جديدًا على مزيد من الاحتقان بين السلطات والمعارضة بكل ألوانها، ومنظمات المجتمع المدنى.
وبمقارنة انتخابات 2019 التى كان يتنافس فيها 26 مرشحًا لمنصب الرئيس من بينهم د. قيس سعيد، أستاذ القانون الدستورى، ولم يفز أحد فى الجولة الأولى، وفاز الرئيس قيس سعيد فى الجولة الثانية. وشارك فى مراقبتها نحو 17 ألف جمعية ومنظمة مجتمع مدنى. بينما كان يتنافس فى الانتخابات الرئاسية هذه المرة الرئيس قيس سعيد، والبرلمانى السابق زهير المعزاوى وهو الأمين العام لحزب الشعب (عروبى ناصرى)، والبرلمانى السابق ورجل الأعمال العياشى زمال وهو فى السجن بتهم التزوير فى التزكيات الشعبية لترشحه، وبالرغم من ذلك لم تستبعده اللجنة العليا للانتخابات. ولا شك أن وجوده فى السجن بهذه التهمة حد من قدرته على القيام بحملة انتخابية، وأثر سلبيا على التصويت لصالحه.
وقد استبعدت اللجنة العليا للانتخابات 14 مرشحا من بينهم ثلاث وزراء سابقين طعنوا على قرار الاستبعاد أمام المحكمة الإدارية التى أصدرت قرارا بأحقيتهم فى الترشح. ولكن لجنة الانتخابات لم تلتزم بتنفيذ قرار المحكمة بمقولة أن اللجنة هى الجهة الوحيدة المخولة بقبول المرشحين أو رفضهم، هذا رغم أن قرار المحكمة واجب التنفيذ ولا يمكن الطعن عليه. وقد أثار قرار اللجنة العليا للانتخابات بعدم الالتزام بقرار المحكمة الإدارية احتجاجات عشرات أساتذة القانون والعلوم السياسية، وعمداء الكليات الجامعية، وقادة الاتحاد التونسى العام للشغل (العمال)، وهيئات ونقابات المحامين والقضاة، والصحفيين، ومنظمات حقوقية عديدة. وشكك بعض المحامين فى حيادية رئاسة الهيئة العليا للانتخابات ورفع بعضهم دعوى قضائية ضدها. وذلك على أساس أن المحكمة الإدارية أعلى سلطة تبت فى المنازعات الانتخابية، وليس اللجنة العليا للانتخابات التى تمسكت بقرارها. ولم تنجح المعارضة فى محاولتها تغيير شروط الترشح.
وانتقد ائتلاف صمود، وحزب تكتل، وتجمع المعارضين اليساريين رفض الهيئة العليا للانتخابات 14 مرشحا من الشخصيات السياسية والأكاديمية الذين قدموا رسميا ملفات ترشحهم، وتم استبعادهم لأسباب إجرائية، من بينها عدم تقديم نسخة من بطاقة السوابق المدنية، أو وثائق تثبت أنه تم تزكيتهم من عشرة آلاف ناخب، أو من قبل عشرة نواب فى البرلمان. وكان من بين المستبعدين رئيس جمعية القضاة الشبان، وآخر إعلامى وسياسى مخضرم، ووزير سابق يسارى، وعبير موسى زعيمة الحزب الدستورى الحر، بسبب تعرضها للإيقاف منذ نحو عام على إثر مظاهرات شاركت فيها مع عشرات من كوادر حزبها، واتهمت السلطات منظميها بتهديد الأمن العام، ولم تسفر المظاهرات التى نظمها مؤخرا آلاف من أنصار حزبها ومن ممثلى «الشبكة التونسية للحقوق والحريات» التى تضم عشرات المنظمات والشخصيات المستقلة والحزبية، عن الإفراج عن أغلبية الموقوفين فى قضايا ذات صبغة سياسية.
- • •
وبالتوازى مع ذلك، شن برلمانيون مقربون من السلطات ومن فريق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد، حملة إعلامية ضد المعارضين الذين نظموا المظاهرات فى الشوارع للمطالبة بتوسيع قائمة المرشحين فى الانتخابات الرئاسية لتشمل وزراء سابقين وشخصيات من المتهمين بالتآمر على أمن الدولة، واتهموا بعض معارضى الرئيس سعيد «بالخيانة الوطنية» ومحاولتهم توظيف أجواء العملية الانتخابية لتمرير مخططات وصاية أجنبية على تونس بالتعاون مع عدد من نشطاء الجمعيات والأحزاب السياسية التى تحصل على تمويلات أجنبية ضخمة. كما طالب 34 نائبا فى البرلمان بتقديم مشروع تعديل مستعجل يهدف إلى أن تكون إحالة النزاعات الانتخابية بين المرشحين للمحاكم العادية بدلا من المحكمة الإدارية والتى لا تخضع إداريا لسلطة وزارة العدل ورئاسة النيابة العمومية، وتتمتع باستقلالية نسبية.
كما نشر على الموقع الرسمى لرئاسة الجمهورية التونسية عديد من التصريحات للرئيس قيس سعيد شكك فيها فى وطنية عدد من المعارضين، واتهمهم بالحصول على تمويلات ضخمة وبالانخراط ضمن مؤامرة تستهدف أمن تونس واستقرارها، وشكك فى صدقية منظمى التحركات الاجتماعية على المسار الانتخابى والسياسى الحالى، فى الشارع، وفى وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، واتهم بعض الراغبين فى الترشح للرئاسة بالتبيعة للخارج، واتهم أنصارهم بأنهم «تحالف الأضداد»، وأن سلطات الأمن سمحت للمعارضين بتنظيم المسيرات، ورفعوا خلالها شعاراتهم، بكل حرية وحمتها قوات الأمن، على الرغم من أنها جمعت «خصوم الأمس» و«الفرقاء».
- • •
ويلاحظ أن الحملة الانتخابية للمرشحين لم تحظ بالحماس المعتاد فى الانتخابات الرئاسية السابقة، وكان ذلك مؤشرا على أن نسبة المشاركة فى التصويت ستكون أقل من المرات السابقة، حيث شارك فى الانتخابات الرئاسية عام 2019 نحو 58% من الناخبين، وحصل الرئيس قيس سعيد على نحو 73% من الأصوات، من إجمالى عدد الناخبين نحو 9,7 مليون ناخب.
وقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات النتائج بحصول الرئيس قيس سعيد على نحو 91% من الأصوات، وحصول المرشح الثانى العياشى زمال على نحو 7% وحصول المرشح الثالث زهير المعزاوى على نحو 2% من أصوات الناخبين. وبلغت نسبة المشاركين فى التصويت نحو 29%، وهى نحو نصف المشاركين فى انتخابات عام 2019، وذلك نظرا لمقاطعة أغلبية الأحزاب السياسية الرئيسية وعدد كبير من الجمعيات والشخصيات العامة الانتخابات.
وجاء فى التقرير النهائى للجان المراقبة أن عملية الانتخابات الرئاسية تمت فى ظروف جيدة، وأن بعض التجاوزات التى سجلت لا ترقى إلى أن تكون مخالفات كبيرة، ولا تمس نزاهة ولا شفافية الانتخابات. ومن بين التجاوزات نقص مستندات الانتخابات فى بعض اللجان، أو بطاقات التصويت، وارتباك موظفى بعض اللجان لعدم تدريبهم وعدم إلمامهم بمهامهم الانتخابية، وكذلك استمرار الدعاية الانتخابية حتى يوم الانتخابات ومحاولات التأثير على الناخبين خارج اللجان. هذا وقد انتهت مهلة تقديم الطعون على نتائج الانتخابات إلى محكمة الاستئناف يوم 10 أكتوبر 2024، ولم يتقدم أحد بأية طعون.
وقد خرج أنصار الرئيس قيس سعيد بعد إعلان فوزه فى الانتخابات إلى الشوارع فى العاصمة تونس للاحتفال وترديد النشيد الوطنى، وهتفوا «الشعب يريد قيس سعيد من جديد». بينما يرى المقاطعون للانتخابات، وتضم حركة النهضة، والحزب الدستورى الحر، وخمسة أحزاب ديمقراطية يسارية هى حزب العمال، وحزب التكتل، والحزب الاشتراكى، والمسار الديمقراطى الاجتماعى، انعدام شروط المنافسة النزيهة فى الانتخابات الرئاسية لغياب المرشحين المهمين والأحزاب السياسية.
وترى منظمة هيومان رايتس ووتش، أن السلطات التونسية أبعدت جميع المنافسين الجديين تقريبا من السباق الرئاسى، وهو ما يجعل الانتخابات مجرد إجراء شكلى. وترى مؤسسة كارنيجى، أن الرئيس قيس سعيد، وهو أستاذ قانون دستورى، استخدم القانون بمهارة لتأمين فوزه، وجعل الانتخابات الحالية التى شهدتها تونس انتخابات غير ديمقراطية لأول مرة منذ الثورة فى عام 2011.
إن فوز الرئيس قيس سعيد بفترة رئاسية جديدة مؤشر على استمرار الأوضاع السياسية وحالة الاحتقان بين السلطة والمعارضة كما كانت فى الفترة الرئاسية الأولى. هذا إلا إذا أمكن فتح حوار وطنى شامل بين السلطة والمعارضة للخروج من نفق حالة الاحتقان والصراع، والبدء فى مسار وطنى جديد يركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمصالحة السياسية، لصالح تونس وشعبها والسلطة وجميع القوى السياسية والاجتماعية.